يوميات فأر

أرَادَ فَأْرٌ يَومًا مُشَاكَسَةَ قِطًا بُيُوتِيًا، فَعَمَدَ لإغْضَابِه، كُلّما نَعَسَ، وَضَعَ حَفْنةً مِنَ دَقيقِ الْقمحِ عَلىٰ طَعَامِهِ حَتّىٰ مَسَخَ طَعْمَه فاِمْتَنعَ عَنْ تَنَاوَلِه، ممّا أثَارَ حَنَقَهُ، و لِأنّ القطَ الكَثيرَ النَّوْمِ، كَسُولٌ لا يَكادُ يَبرحَ مِنَ مَكاِنه، فتَرَفّعَ عَنْ مُطَارَدَةِ غَرِيمِه، وغَطّ فِي نَومٍ عَمِيقٍ
شَعَرَ الْفأرُ بِقلةِ حِيلَتِهُ و فَقْرَ مَكَائِدِهُ ، وأعْيَاهُ التَّفكيرُ و قَتَلهُ الفَراغُ بعدما كانَ
يَقْضِي وَقْتَهُ يَرْتَعُ ويَلْعَبُ في زَوايا الْبيتِ و غَفىٰ جِوارَهُ و فضاؤهُ يَرسِمُ أشكالًا للَّعِبِ و اللَّهْوِ وَالتَّسْلِيَةِ.
لَمَحَ ثُعبانٌ أغْبَرُ الصديقين اللدودين ٬ في قَيْلُولَتهما، فَبَرَقتْ عَيْنه واشتدّ سَوَادُهَا و اِرْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ و سَالَ لُعَابُهُ و تَفَتَّحتْ شَهيّتُهُ المَفقودةُ أمامَ أَرْطالَ اللحمِ الطّازجةِ والمتدفقةِ بسيلانِ الدّمِ الفِجّةِ
أطلقَ نفثةً مُدويةً
أفاقَ الفأرُ على اِثْرِها، فاِنْعَقَدَ وَتَجَمَّدَ حِراكَه و أَدْركَ أَنّ حَيَاتَه عَلىٰ المَحكِّ، و حِينَئذٍ
اِنْقَضّ عَليهِ القِطُّ و قَتّله وشكرَ الفأرُ القطَّ واعتذرَ عما بدرَ منه آنفًا، وأمسَی الصديقَانِ مِنَذ ذَلِكَ الوقتِ، لا يَكفُّ أحدُهما عَنْ مُطَاردةِ الآخر .ـ الخلاصةُ ـليس كلَّ عَمَلٍ يُثِيرُ الضَّحِكَ. فهناك عملٌ يُثِير الاشْمِئزَازَ. و اللَّعِبُ بِالنَّارِ قد يُعَرِّضَك لخَطَرٍ داهمٍ .
فاتَّخذْ أنيسًا تألفهُ، وجليسًا يألفُك؛ َ وإنَّ اخْتلافَكما ليكملُ الآخرَ.
فسبحانَ الذي أَلَّفَ بَيْنَ القُلوبِ بعدَ أنْ فَرَّقَ بَيْنَها.
فالدُّنيا دارُ ممرٍّ لا دارُ مقرٍّ.

تم عمل هذا الموقع بواسطة