إنّ أكثرَ الأشياء رُعبًا لقَلبِ الإنسان، هو الاغتراب، وبصورة خاصة لقلبِ الشاعر والمفكر ومدعاة قلقه واضطرابه والأكثر فزعًا هو فقدان النفس، وانِغماسها في ذَوات أُخَرْ لا تَشبهها، وفُقدان الرابطة الروحية التي تجمعه و مَنْ حوله ، دِفءُ وحميمةُ العلاقاتِ والانفصال عن الواقع . ومن أكثر الأقاويل اِجحافا في حَقِ الشُّعراء و المُفكرين، أنهم يسكنون أبراجاً عاجيةً، يعيشون في عوالم الأَحلامِ الوردية والليالي الصَّيفية، وهذا منافٍ للمنطق والشُّعور لأن الشاعر والمفكر مُنغمسٌ في عَالمه بطريقةِ وَاعِيةٍ وتمنحه ديمومة البقاء[1 ] ضمن كَوكَبته وتُكسبهُ الاِتزان وصَّفاءَ الذهنِ والقوة فِي التَّعبيرِ بطريقةٍ مَوضُوعية، غير مُنقادٍ لانطباعاتٍ سَطحية أوْ شِعَاراتٍ هدامة .ولمْ يَحلّ يومًا الاِغتراب ضيفًا عَزيزًا علىٰ عصرٍ دُون الآخر، بل لَازم كُل العُصور، واِشكاليته اِسْتحوذتْ على عُقولِ الفَلاسفةِ و المفكرين و الأُدَباء والمُبدِعين والخَارجِينَ عَن المَألوفِ، وفِي مُحاولاتٍ لمعرفةِ مَاهِية الاغتراب و مَلامِحهُ وأبعادهُ في الذاتِ والوحدةِ و القومية العربية.و قد يؤول أنّ الغُربة و الِاغتراب وَجْهان لعملة وَاحدةٍ، تُؤطرها الهجرة والانتقال من بلد لأخر . لَكِنّ مَفهُوم الغربة يَتماهىٰ فِي لُجّةِ الاغتراب وتُصْبحُ مِسَاحَاتِ شَاسعةٍ من اللاءات (اللاهَدفِ و اللاهُويةِ والعَجزِ و التَّمردِ واللامعنىٰ مِنَ الحَياةِ) , ارتبطت الغربة ومشتقاتها بما هو خارج عن العقل , فيقال رجل غريب الأطوار، وجه غريبٌ أي غير مألوف، يأتيكَ بكل ماهو غريب ومدهش وعجيب ، غريب عن وطنه بمعني انتزع من أرضه وغرس بأخرى . اذ أن الاغتراب مرتبط بحالات مستثناة، حالة لا تتماشى ولا تساير ثقافات القطيع، نتيجة فجوة ما، طبقية أو ثقافية أو فكرية. فجوة خلفت فوضى الشعور، إضطرابات الوجدان، الركضُ واللهاثُ في متاهات العدمية و فقدان الهوية. منْ ديوانِ تَهوِيمات فِي السّاعةِ الهَامدة من الليل 

 عنوانُ الدّيوانِ ودَلالته يُعرفُ التَهْوِيم اِصطلاحيًا:

 بأنّه حَالة من اليَقظةِ و النَّشاط الذّهني , يُلاحقُ الفكر دُونَ تركيز، مَسارًا تلقائيا مَطبوعًا بالتخلي عَن الوعيّ إلى اللاوعيّ، ليعوضَ الانسان فيما حُرم منه في الواقع . [2]وقد ارتبط التهويم بالفكر الصوفي و شطحات التصوف الأدبي، كناية عن حالة الاستغراق العلوية والمغيبة في مدارات العشق والعشق الالهي، والهائمة من فرط الجمال والحب في ملكوتها، والتي تُشبهُ حالة السُكر كالمخمور.

كقول الشاعرة العباسة” عُلية بنت المهدي”

ومدمنُ الخمرِ يصحو بعدَ سكرتهِ وصاحِبُ الحبِّ يُلْقَى الدَّهرَ سَكْرانا

وقد سكرْتُ بلا خمرٍ يخامِرُني لمّاذكرتُ وما أنســـــاهُ إنسانا.

وقد غرق الشعراء المتصوفة في خلواتهم، واعتزلوا عوالمهم ، لاعتقادهم أن الروح جوهر الحياة ،وأن العبادة الخالصة هي في حياة العزلة والتوحد، تطهير للنفس من دنس الحياة وآثامها، وأن حياتهم تتشابه مع حياة الرسول في خلوته بغار حِراء. فكانت أفكارهم نابعة من تأملات فلسفة وميتافيزيقية، و انعكست على أعمالهم. فصارت أفكارهم موجبة للدهشة ومدعاة للغرابة والتضليل و كثيرا ما نالت منهم وأودت بحياتهم

 .الآن انحسر الفكر الصوفي والشعر الصوفي وصار مجرد طقوس يؤديها الدراويش ومريدو الطريقة.

ومن أهم الشعراء المتصوفةـ 

ابن الفارض ولقب سلطان العاشقين 

قضي ابن الفارض في عزلته 15 عام عاد بعدها إلى مصر محملا بدرر البيان و جواهر الحكمة، ونظم أروع القصائد في العشق الإلاهي ومن أشعاره

قـلـبي يُـحدثُني بأنك مُـتلفي روحـي فِداك ، عرَفت أم لم تعرفِ لم أقضِ حق هواكَ إن كنتَ الذيلـم أقـض فيه أسى ومثلي مَن يفي.

حسين بن منصور الحلاج ـ العراقتطور مفهوم التصوف عند الحلاج ، فجعله جهادًا علی الظلم والفساد والطغيانوما أقواله :ما رأيت شيئًا إلاّ رأيت الله فيه. ولكنَّ فِكر الحلاج الخارج عن المألوف كان سببا في هلاكه واِتهم بالزندقة والالحاد في عهد الخليفة المقتدر بالله.


لقد تجلیٰ الليل في الشعر العربي وصار آية من آيات البلاغة . فالليل ملاذ للعاشقين وسكنى الحائرين وحجاب للأحزان تَستتر به في عتمه الأبدان ، فتارة يناجي الشاعر حبيبه وتارة أخرى يسامره، يبث له أشجانه وأحزانه وتنائيه عنه ، أو يغزل من نجومه عقود الزمرد والزبرجد والياسمين، وصار الليل منهل الشعراء والكتاب، يصوغون منه مفرداتهم و يستلهمون منه أشعارهم.يقول ﻋﺘﺎب ﺑﻦ ورﻗﺎء :إنّ الليالي مناهلُ تطوي وتنشر دونها الأعمار فقصارهن مع الهموم طويل وطوالهنّ مع السرورِ قصارُ.

ونستشف مما سبق أن الديوان يجمع قصائد ذات نزعات روحية و تأملات فلسفية، فلم يعد الليل مهيبا أو مخيفا، بل صار مرتعاً خصباً لخيال الشعراء والأدباء في زمن اليباب والبؤس وقساوة الحياة .

قصيدةُ عُرسُ الأنقاضِ يعتبر العنوان هو أولى لبنات التأويل والتفكير، و حين يسترسل الشاعر ويطلق مكنونه أول ما يتبادر الى مخيلاتنا هو شكل الوعاء، متانة التعبير والقوام اللغوي المؤطر به . فاللغة هي عماد الفكر و الأدب وقوامهما فلا صلاة بلا قيام ولا أدب بلا لغة جزلة وتراكيب بليغة وأسلوب قويم، و أهم ما يميز بنية قصيدة النثر هي وحدة الموضوع، لكي تمنح لقب قصيدة وتصير وحدة مكتملة الأرجاء

 و نعود لعرس الأنقاض لغويا : العرس وهو حفل زفاف والعُرُس كما ورد في لسان العرب: مِهْنَةُ الإِملاكِ والبِناء.والأنقاض حسب ما ورد في الوسيط وهو الْبناء تهدم، وَيُقَال تقوضت الصُّفُوف والمجالس تَفَرَّقت، وَفُلَان جَاءَ وَذهب وَلم يسْتَقرّ ، فهما لفظتان بينها علاقة جزئية.و مجازيا كلاهما جزء من بنيان سواء بالهدم أو البناء ويراد بها معنى آخر غير المتلفظ به، تحسرًا ما آل اليه الحضارة الاسلامية وتاج الحضارة وعروسها، الضاد واللغة ليست أداة للتواصل، بل هي قدرة وتمكن الإنسان من التعبير بها، والإبداع وتجسيد الفكر .

يقول الشاعر :

أمدُ رأسي إلى الوراءِ

أسافرُ في موجةٍ في جناحِ !

في عتماتِ الأفقِ.

أمــــــــد رأســــي إلی الوراء …

فعل أمد يدل علی حالة الخروج من السكون للفعل.و الاضطراب حركة، واضطرب الموج أي تضاربه[٣ ]

أي حركة مختلة ناتجة عن الفوضی وتضارب الأفكار .ونتساءل عن ماهية الوراء ؟والظرف هنا ( ظرف متصرف) لم يستخدم كوعاء للحدث بل استعمل كإسْمٍ ، حالة من الاستغراق الكلي والتوق الى الماضي وذكرياته” نوستالجيا الحنين” حالة تتماهى مع إشراقة الكلمات وبدءِ القصيد كما تتماهى الشمس في لجة البحر، معلنة سفرها في عتمة الأفق وانبثاق الليل منها والانتقال بين زمنين ، عصرين… حالتين .إمتداد البحر واتســــــــــاعه و ضيــــق الأفق وانحسـار الرؤی .

إن أكثر مايعاني منه المشهد العام والثقافي بشكل خاص هي الضبابية التي غلفته وانعدام الحوار بين الثقافات ودرء التفكير والتفكير النقدي ، أدى الى عزوف الكثيرين عن المشاركة في الحياة الثقافية، الى جانب هجرة العقول العربية ” الثورة البشرية الثقافية والفكرية المعدة والمؤهلة وغرسها في بلاد لا تمثلها والتي اعتبرت طاقات مهدرة ونزيف تنموي .في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية والحروب، أصبحت الحاجة إلی ” ملء الفراغ ” قاب قوسين طاردة للشباب وجاذبة الفكر وثقافات غريبة، والفجوة بين ما تعنيه وما أعنيه تقاس بالسنين لا بالفكر، والمنطق سببٌ من أسباب الاغتراب .

أقرأُ سيرةَ الترابِ 

سيرةَ تاريخ بلادي 

هي سيرة زمن سقرٍ 

مكتومُ الآهات يرقدُ فيهِ نحيبُ عصرٍ آخر.

أطرقُ البابَ !!

قبضة من جمر ومشهد خاطف يتبعها الشاعر في إيقـــاع صوتي مقتطع ” آهــــات مكتومة ” ومما لاشك أحد أسباب الإغتراب هو الحزن المبالغ فيهوالطريقة التي ألفها الشعراء في نظم قصائدهم وسيطرةِ مظاهر التأوه والتباكي علی الأطلال، نوع من القناع الزائف، وعوضا عن محاولة استيعاب الصدمات و الخروج منها في أسرع وقت، أصبح الخيال الشريك المثالي، بل أصبح قناعاً للهروب من الواقع المؤلم، وساهمت في اِتساع رقعة العزلة تلك، منصات التواصل الاجتماعي التي صبغت روح العصر بنوع مستحدث من الإدمان ولم تعد القراءة غاية الإنسان، بل أضحتْ نوعاً من الوجاهة الاجتماعية .فما الغاية من قراءة السير غير أن لنا فيها عبرة، يجد المرء فيها سلوته وما يدفعه إلى مجابهة اليأس والرغبة في العلم والاستزادة من سير المفكرين ومعاناتهم وما تعرضوا له من صعوبات وكيف تَحَدَّوْها. 

يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته أنا و أخت المهاة و القمر: 

لو ولج الناس في سرائرهم .. هانت ، و ربّي، عليهم سقر .فقراءة سير النبلاء والأعلام تسهم في بناء الشخصية الوطنية وتعزز قدرات الشباب على التحدي والمواجهة. وأنْ ليس هناك إنسان مستثنى من التعرض للعراقيل والصعاب، حريُّ بل أنه ينبغي العودة الى النفس ومعرفة مواطن الخلل .ثم يتابع الشاعر التوصيف بوصف الزمن وهو زمن القراءة والإستزادة من منهل الأسبقين في عصر غُرِّبُوا فيه وماذا يقرأ ؟سير التراب كناية عن بلده ونلاحظ  دقة وصف الشاعر، أن فرَّقَ بين الوطن والبلد.فالوطن هو الذي نعيش في كنفه نتمتع فيه بكافة الحقوق والواجبات، أما البلد فهو كيان جغرافي، ليس ضروريا أن نتمتع فيه بالحقوق ونقوم بالواجبات، ربما حق منتزع، مغتصب وما ملامحه سوى آهات مكتومة، لغة من لغات الجسد تعبر عن إنسان مكبلٍ مادياً ، محطمٍ معنويًامقيد في سجنه، حبيس أفكاره، أسير مجتمعه .ثم يوثق غربته ويؤكدها بأدب من آداب الاستئذان.. “أطرق الباب” ويعبر عن سمات شخصية الشاعر المرهفة ذات حسن المروءة والخلق ، حتى وإن كانت أرض الخيال،  فالمبادئ والقيم لا تجزأ ..من يطرق الباب؟تعبير يشير أنه رجل غريب كأنه ليس من أبنائها وفلذات أكباده. ثم يتابع قصيدته في تسلسل بديع ليفصح عن اكتشافاته وماذا وجد ؟

أجدُ معمعةً و فوضى

 طرقاتُ الأصواتِ تتداخل

 تجتمعُ في بحرٍ من السكونِ 

عمائمُ سوداءٌ وبيضاء

ووطناً من رمادِ

وطغاةٌ مراؤونَ يتلونونَ كالحرباء

وعالمٌ ضريرٌ

عمائمُ تطفو على السطحِ 

كفقاعات من الغي ..

لقد رحل من رحل من الشعراء والكتاب وأعلام الفكر والأدب، لكن أفكارهم المتضاربة ظلت حبيسة الصندوق،” معمعة وفوضی” لا تزال أصواتها ساكنةَ الكتب، وسط بحر من السكون ملح أجاج شديد المرارة .ثم يتابع في تسلسل العبارات” عمائم بيضاء وسوداء ” لنتعرف على الدلالات اللونية اشتهر العرب حتى قيل:«اختصَّت العرب بأربع: العمائم تيجانها، والدروع حيطانها، والسيوف سيجانها، والشِّعر ديوانها».

 فما دلالة العمائم ؟والعمائم البيضاء يرتديها الشيوخ وهي جزء من لباس علماء الدين الإسلامي ، أما العمائم السوداء خصت طائفة معينة، إشارة الى التعصب والتقوقع وبث الفكر المتطرف والفتن، وما لها من دور في زعزعة كيان الوحدة بين النسيج الواحد وبث سمومهم والدين براء من أفكارهم و خطبهم الرنانة وشعاراتهم الواهية وغيهم .وما هم سوى منافقون مراؤون خلف عباءة الدين و الزهد ، موالون لصناع القرار، والغي من الإطناب، وهو عكس البلاغة، وحين سأل أحدهم عن البلاغة قيل ما قل لفظه، وكثر معناه .ففكرهم متشدد، والمصالح لُغتهم، لغة لا تتبدل مع التاريخ ولا تمَّحِی بموت طاغ ، ومعانيهم لمساوئهم كاشفة، وخططهم مفضوحة، و الارهاب على اساليبهم شاهد.وعالم ضرير يستحضرني قصة ” بـــــلد العميان” ‏ لهربرت جورج ويلز ،“بلد العميان” كناية عــــن : كل مجتمع يسُوده الجهل والفوضىٰ والفساد والتخلف والفقر والعنف والتعصب، وأي دعوة تنويرية تواجه برفض وريبة وعنف .. وهذا ما تعانيه مجتمعاتناحالة من التفكك و الضياع والنزيف المستمر من الحروب الدمارثم يتحسر علی الماضي ويبث حزنه على الأشلاء والضياع يتباكى في صمته ، ويتذكر ماحل بفقهائها وعلمائها المتنورين .

أشلاءٌ وضحايا

 في كهوفِ العذابِ العتيق هُنا

:محاكمةُ غيلانَ الدمشقي وسحلهِ

 محاكمةُ الحلاجِ وصلبهِ 

قتلُ السهرودي 

إبادةُ المعتزلةِ والمتوكلُ يقهقه.٭ 

محاكمة غيلان و سلحه .أختلف في أصل غيلان الدمشقي والبعض أرجع أصله إلى مصر، يعد غيلان الدمشقي أحد أعلام الخطابة والوعظ والكتاب البلغاء، يضعه العلماء والمؤرخون في الطبقة الأولى من الكتاب مع ( ابن المقفع، و سهل بن هارون، و عبد الحميد)، و له رسائل – ضاعت – يقول عنها ابن النديم أنها بلغت ألفي صفحة. 4 ويكي

 وفي مناظرة أراد بها أن ينال بها هشام بن عبد الملك من غيلان الدمشقي ، وأمر الأوزاعي أن يساجله .. فأجاب: الحاكم كان جاهلا لم يفقه قوله.اتهم بالخروج عن الجماعة والإلحاد، حكم عليه فضرب عنقه لاتهامه .

ولا أشد على أمة من حاكم جاهل، يئد مفكريها وعلمائها .شهاب الدين السهروردي يعتبر السهروردي من أشهر فقهاء عصره، كتب في الدين والفلسفة والمنطق والحكمة ويسمى مذهبه الذي عرف ب “حكمة الإشراق” ولهُ كتاب بهذا الاسم. حكم عليه بالقتل بتهمة الزندقة قامت عقيدة المعتزلة وهي أحد الفرق الكلامية علی النزعة العقلية وتحكيم العقل خلاف أهل السنة التي اتخذت العقل وسيلة للفهم . فقدموا العقل علی النقل . بسبب تأثرهم بالفلسفة اليونانية وتداخل ثقافات مختلفة ومن أشهر المعتزلة الزمخشري والجاحظ وقد تعرضوا للاضطهاد الديني و تمت ابادتهم لكن هناك من تأثر بفكرهم وأيده وأطلق عليهم العقلانيون الجدد .ثم يتابع في قهرته واسما هيئتها المغبرة و سوداوية البائية بقوله

 هي أَيامٌ سوداء

بائسةٌعابسةٌ

كالحةٌ مغبرةٌ …

وهناكَ في تلك البلاد مجزرةُ حرق كُتبِ ابن رشد في ساحاتِ قرطبة ..أن يمسك زمام الخيوط العريضة لإنهيار الأمة يقولون أن أردت هدم أُمة فابدأ بالكتب :إن حرق الكتب كانت لأسباب قمعية منها السياسية والاخلاقية وخدمة التنوير ورمزية الحرق إشارة لانتصار الحق, لقد دمر التتار الجهلة ملايين الكتب في نهر دجلة ,حتى صارت مياهُ النهر سوداء من أثر مداد الكتب، وأحرقت كتب ابن رشد، أشهر فلاسفة المسلمين في عصرها الذهبي من قبل معارضيه.المسلمين بعد أن اتهم بالكفر والإلحاد، فنفاه المنصور بالله في بلاد المغربكما دمرت حضارة الأندلس في مكتبة قرطبة ,طليطلة .يصرخ الشاعر من ضيمه منهزما أمام مرايا التاريخ ، وجوه مليئة والاستغاثات، وكأنه مسؤول عن كبوات التاريخ وثغراته …

 أصرخُ منهزماً

 أحلمُ بالبكاء ولا دمع في العيونِ

لوجهي المليءُ بالأصداءِ والهدير.

يود أن يشارك هذه النجوم أفلاكها وينتصر لها, لكنه عاجز عن المشاركة أو إعادة التاريخ.ثم يتابع بسلسلة من أساليب النداء يبث اليقظة في الغافلين ويوقظ الهمم، وكله أمل متَّقد بعودة الطيور واتساع الافق

 لتشارك الأشجارعرسها من جديد

يا عُرسَ الأنقاضِ واليباس …

يا مَرايا الضياعُ الطويل

لو أنني أعرِفُ كيف أُشارك

الأشجار أعراسها ..

وأَمحو فكراً ينامُ في مستنقعِ التاريخِ 

وأَبعثُ فكراً أَقدامهُ الأرضَ 

وأَجنحتهُ السماء يجري كالماء

 في رئةِ البلاد يبعثُ في تاريخنا

 ويضيءشَمساً 

حُلماًيأتي فرحاً قصيدةً ورجاء…

لقد أوجز الشاعر ملامح الإغتراب في الشعر العربي وتأثيره على الثقافة في لمحة تاريخية مزدانة بروعة التراكيب نوجزها كالآتي :

 ـ غربة الشعراء في مجتمعاتهم ، والاضطهاد الديني الذي تعرضوا له ، فمنهم من اختار الاعتزال طواعية ومعتنقا و منهم من اجبر عليه نفيا او قمعا.

ـ ضيق الأفق وانحســـاره في فرق ومذاهب وطوائف ومن ثم انعكس على الحياة الثقافية ،وأثمر عن فكر متشدد وتعصب أعمى، وعدم تقبل ثقافة الإختلاف. 

ـ إدمان التحسر على الماضي والتباكي على الأطلال عوضا عن البحث أسباب الانحدار وتشجيع الطاقات المهدرة وإتاحة الفرص للمشاركة والتفاعل بين كافة الأجناس والأعمار .

ـ ضياع القدوة والسيرة الحسنة التي توقظ الهمم في النفوس وتشد من أزرها

الحث عن الاستزادة من النبع الخالص والتعلم من تجاربهم الحياتية

 الجمع بين العقل والروح والدين والدنياـ  يخلق مجتمعا متوازنا نفسيا واجتماعيا وثقافيا .ـ الجهل والفساد والمراء والمحسوبية مسؤولية مشتركة بين صناع القرار وعامة الناس .لقد جاء الإسلام ليجمع، و جاء غريبا ويعود غريبا … .فطوبي للغرباء الذين يصلحون اذ ما فسد الناس .أتمنى أن أكون وفيت القراءة بما هو مستحق من البحث فلكم جزيل الشكر والتقدير 

[1 ] انظر فلسفة هنري برجسون عن «الديمومة»

 21] قاموس الأدب الحديث ـ جامعة بيروت.

 31] راجع أفعال الحركة الاضطرابية في القران الكريم – دراسة دلالية نحوية د.نوال بنت علي سليمان الفلاج.

تم عمل هذا الموقع بواسطة