قراءة انطباعية
في متن النص القصصي جماعة للأديب جعفر علي الجمري
هويده عبد العزيز- مصر
_جَمـــــــــــــــــــــــاعة
" سمعا و طاعة " في كل أمر " حق و باطل، قوة وضعف، سعة وضيق؛ هم أخوة الروبوت في الرضاعِ .
_________________________________________
بين جزالة اللفظ، واختزال العبارات يُفاجئنا الكاتب بنص قصصي ساخر له من السمات الفنية والدلالية ، أثر عميق في نفس وذائقة المتلقي ..هو الانطباع الذي يرسخ في النفس كسمة أساسية للقصة القصيرة جدا ، والتي تتجلى أركانها بين وحدة الحدث و جزالة اللفظ والقدرة على التوظيف و الإدهاش ، معتمدا على طرافة المشهد ، بعنوان له بعد ايديولوجي ..تتشابك فيه التأويلات و تتعدد الرؤى. إنها أشبه برسالة ضمنية، تحفز ذهن القارئ وتثير مداركه، معتمدة على مفارقات شتى حاسمة ، ليس حدث او شخوص بحد ذاتها إنما فكرة مجردة ، يضعها صوب أعيننا
نَتَسَاءَل : عن أي جماعة يتحدث الكاتب ؟
انه الاحتدام الذي يخلق دواخلنا نوع من الصراع ، يفصح عن كائن واقع لا محالة..صيغة الغائب التي يفرض وجوده على كينونتنا، وجودنا، هويتنا، و كل مناحي الحياة ؟
مفعول ينطلق من الجزء للكل ويتشعب ويتفرع
بُدِأ بالتبعية " سمعا وطاعة " وبقرينة لفظية يغني عن فاعلها، يُعْتمد فيها التلميح، ربما لدواعٍ.. أضُمرتْ معالمه.
مصدر سماعي لم يأت للطلب ، بل جملة خبرية دالة على وقوع الحدث بشكل مطلق ، تعكس ديناميكية الجماعات المختلفة و الجماعةكما وردت في معجم المعاني هي فرْقَةٌ، مَجْمُوعَةٌ ، زُمْرَةٌ ، طَائِفَةٌ من الناس ، جماعة من المؤلِّفين، جماعات الضَّغط، جماعات متشدِّدة..
وأيا كانت هذه الجماعات شرعية أو غير شرعية
فهي تضمّ شخوصا ذات مصالح مشتركة، تمارس نشاطًا سياسيًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا أو فكريا بقصد التأثير المباشر أو غير المباشر على
صانعي القرار ، ليرسم لنا ويحدد الاطار العام وأسس العمل داخلها ويكشف عن السلوك المتبع لثقافة القطيع .
و الطاعة العمياء، عكس الطاعة الراشدة البناءة الواعية، القائمة علی الحوار والمشاركة وتقبل الرأي و الرأي الآخر، يتبعها بجملة صادمة
" في كل أمر " جملة غُلبت عليها التبعية شكلا و مضمونا ليكشف لنا عن المسار التاريخي المؤدلج ودوره في هندسة البناء الفكري والمجتمعي ويعزي التشوه الايدلوجي للأقطاب المتطرفة و أثرها في الوعي الجمعي
تلك التبعية التي دفع بها توجه ما.. وأثره علی عجلة التنمية والتطوير والابتكار، خلقت أجيالا شبت علی التقليد الأعمى والجمود الفكري الذي يشوه الحقائق وطمسها و يقلب موازين القوى، فيعمي العقول والنفوس فعليه النتيجة الحتمية وهي عدم القدرة أو التمييز بين الحق والباطل . وهذه المسألة باتت معتركا في الحقيقة وفي هذا الزمان " كل على حق " و الحق لا يقال حقا الا إذا جنح للسكينة والسلام، وطريقة واحدة ، أم الباطل طرقه متشعبة و ثقافة القطيع نهايتها الهاوية، ليلقي الضوء في النهاية عن برمجة ثيوصوفية خطيرة و ربما لروافد ثقافية أو عوالق عقائدية. فقد بها الإنسان هويته ، مغترب في ذاته وغريب علی المجتمع .
ـ يقال .«على ابن الطاعة تحل البركة» فهل تحل البركة علی عقول سلبت إرادتها وفقدت قدرتها علی التعبير .
و ما بين القوة والضعف صلات وروابط شئنا، ام ابينا ..تسلسل هرمي أحيانا يضعنا موضع القوة داخل التنظيم لنكون أرحم بمن هم حولنا وأشمل بذوينا و تضعنا موضع الضعف أحيانا أخرى لا موضع الاذلال والتحقير ، بل
لحاجاتنا تجمعنا ويدا توحدنا وهنا يبرز الانتماء و القدوة و المثل العليا وأهميتها في الحفاظ على رباطنا و وحدتنا ، وحدة تقوم على المشورة والدعم لا الطاعة العمياء . إن خطر الايدلوجيات سواء كانت ماركسية ، علمانية ، بلشفية و اي قطب من الأقطاب القائمة علی الفرقة والحزبية و التقوقع والإنغلاق له دوره في بلورة الفكر، وهو لايلتزم الحيادية إلا من خلال النسق المساق فيه . والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما فائدة سعة الفضاء المصغر اذا كانت العقول سطحية و الافاق ضيقة و منغلقة علی ذاتها بالاخير
ليكشف عن الوعي الزائف والصورة النمطية و المبهمة للجماعات بما يتفق مع مصالحها طموحها ، وتتنافى بما يهدد مصالحها . و نجح الكاتب بلغة سلسة و شفافة ، بعيدا عن التكلف في تصوير مشهد و معالجة قصصية لمشكلات مجتمعية التبعية والتطرف والسطحية وضيق الأفق والرجعية وإحالتها الی البرمجة وما لها الاثر في إعاقة الإصلاح والتغيير من اجل بناء مجتمع أفضل يتسع ثقافات متعددة ورؤى مختلفة .