جزيل الشكر والتقدير للأستاذ عبد الحق الناصري لقراءته البديعة ونظرته الفنية الثاقبة و الابداعية .
قراءة في قصيدة " جُعِلتُ فِداكَ" للأديبة Howida Ghanem
صَدَّرتْ الشاعرةُ قصيدتها ،بفعلٍ ماض مبني للمجهول " جُعِلْتُ " حيث عمَدتْ إلى تغييب الفاعل بدلالة العِلْمِ به.
ثم انتقلت مباشرة إلى السطر الثاني من النص للكشف عن موضوع النص :
" لنهرب قليلا "
الهروب مما ضاق بهم الصدر أي :
" من الوشاة " ...
وقد حفل الشعر العربي قديمه وحديثه بالكثير من الإبداعات التي تتناول موضوع" الوشاة " مثل قول أحدهم :
لا تقبلوا قول الوشاةِ فإنهم
كانوا لنا في حبكم أعداء،ومنه قول كعب بن زهير :
لا تأخذني بأقوال والوشاة ولم
أُذنِب ولو كثُرت عني الأقاويل
وقال فيه أمير الشعراء أحمد شوقي :
إن الوشاة وإن لم أحصهم عدداً
تعلموا الكيد من عينيك والفندا...
ولا شك _ على حد قول الشاعرة _ أن الوشاة يركبون سفن التخفي والمخاتلة :
+ من الرابضين
+ خلف معانينا
بعدها تنتقل الأديبة لتكشف عن ملامح هؤلاء الوشاة، الذين ينمقون كلامهم بمعجم ديني ولكن هم في الحقيقة شياطين، وهذا واقع معروف وأولئك هم المنافقون الذين خصهم الله بسورة من كتابه العزيز هي سورة المنافقون، حيث قال تعالى فيها : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون) فمهما لبس المنافقون الحق بالباطل بلا بج أن الله كاشف أمرهم ولو بعد حين، ولهم في الآخرة عذاب أليم في الدرك الأسفل من جهنم
+ لنمض سويا
+ ما دام الأمر قائما
+ لا محالة
+ كأن المدامة تنجينا
والمدامة هنا كناية عن السلوان والتغاضي عنهم والإهمال لشأنهم للنجاة من شر ما يزرعون من بذور الشر بطعم المرارة باسم الدين...
+ مِن مُرِّ الحنين
+ مِن هدر السنين
+ لو كنا نحسبه
فالتجاهل هو السبيل لتجاوز أسى النفس وحسرتها على ماعانت منه في الغياهب المظلمة للحرمان والحنين لسنين لا أرغب في عدها، وذلك إشارة إلى طولها
+ لتعلم اليوم من أماسينا
+ لا الخلاف ينسى
+ من ذا الذي لهواكم ينسينا ؟
وهنا عودة أخرى لفعل الوشاة الذين ورد ذكرهم في مطلع النص لإبراز مدى رُجحان كفة الحب والخير على كفة الشر والعدوان مهما اضطريت الروح وارتجت أركان الوصل :
+ ولقاء من ضجيج أحلام
+ عاصف ينادينا
+ كم همست فآثر الضجر
+ صمت الحياة فينا
إنها معاناة الإنسان مع تكاثف قوى الشر وجبروتها حين تحول التواصل إذا أذُن صماء لا تسمع أي نداء ينقطع معها