هويده عبد العزيز

الاستهواء لغةً:

الاستهواء في اللغة يأتي من الجذر العربي "هَوَى"، وهو يعني الانجذاب أو الميل الشديد نحو شيء ما. والمقصود بالاستهواء هو جذب الشخص إلى أمر معين أو الميل نحوه بشدة، بحيث يصبح الشخص مأسورًا أو مغررًا بهذا الشيء، سواء كان حبًا أو إعجابًا أو رغبة.في المعنى الأدبي، الاستهواء يشير إلى عملية جذب الشخص أو إغوائه ليشعر بالإعجاب، الرغبة، أو الانجذاب إلى فكرة أو نص أو شخص معين. يمكن أن يكون هذا الانجذاب على مستوى عاطفي أو فكري.

الاستهواء اصطلاحًا:

الاستهواء في الاصطلاح الأدبي أو الفلسفي يتجاوز المعنى اللغوي البسيط إلى عملية أعمق حيث يتم جذب القارئ أو المتلقي، سواء عن طريق النص الأدبي أو الخطاب أو حتى شخصيات الرواية أو الشعر، إلى عالم معين أو فكرة معينة، بحيث يُخيل إلى المتلقي أنه لا يستطيع مقاومة هذا الجذب أو الإعجاب.

  • في الأدب، الاستهواء يشير إلى قدرة الكاتب على جذب القارئوجعل النص الأدبي محط اهتمامه العاطفي والفكري. يمكن أن يتم هذا الاستهواء عبر عدة طرق مثل:
    • بناء شخصيات قوية ومؤثرة.
    • حبكة مشوقة تتضمن صراعات أو تحديات.
    • أسلوب لغوي مميز يستخدم لغة مشوقة أو مؤثرة.
    • طرح موضوعات أو قضايا تعكس مشاعر أو مشاكل إنسانية عميقة.
  • يمكن أن يكون الاستهواء إغواء فكريًا أو عاطفيًا، حيث يشعر المتلقي برغبة شديدة في التفاعل مع النص أو حتى التورط في عالمه، ويُعتبر النص المستهوي من النصوص التي تؤثر في القارئ وتظل عالقة في ذهنه لفترة طويلة.

إذن، الاستهواء في الاصطلاح الأدبي يشير إلى الفعل الذي يقوم به النص في جذب القارئ وجعل تجربته معه غنية وعميقة، مما يدفعه إلى التفكير العميق أو التفاعل العاطفي مع محتوى النص.

مفهوم الاستهواء في الأدب ظهر في سياق تطور النقد الأدبي، خاصة في القرن العشرين، وخصوصًا في مجال الأدب الحديث والرمزية. هذا المصطلح كان مرتبطًا أساسًا بمفهوم الأسلوب الأدبي الذي يعتمد على جذب القارئ من خلال تقديم موضوعات وأحداث بطريقة تجعل النص مغريًا ومثيرًا للفضول، بحيث يدفع القارئ إلى التفكير العميق والانغماس في النص.

تطور مفهوم الاستهواء:

  1. القرن التاسع عشر: قبل أن يتم تفعيل هذا المفهوم بشكل واضح، كان الأدب غالبًا ما يعتمد على الجمالية والأسلوب التصويري. شعر الأدباء مثل بودلير ورامبو بالضرورة لجذب القارئ من خلال استخدام لغة مفعمة بالخيال والمشاعر العميقة، وهو ما يمكن اعتباره مقدمة لمفهوم الاستهواء.
  2. القرن العشرين: بدأ مفهوم الاستهواء يتبلور بشكل أعمق، خاصة في الأدب الرمزي والحداثي، حيث تحول النص الأدبي إلى أكثر من مجرد سرد للأحداث. بل أصبح الأدباء يسعون إلى خلق تأثيرات نفسية وفكرية لدى القارئ من خلال الأسلوب الأدبي الذي يثير الفضول ويُشرك القارئ في عملية التأمل والتفاعل مع النص. هنا ظهر الاستهواء بوصفه محاولة لخلق تأثير التساؤل والغموض.
  3. النقد الأدبي المعاصر: مع تطور النقد الأدبي، أصبح مفهوم الاستهواء يعبّر عن الأسلوب الذي يحفز القارئ على التفاعل العقلي مع النص، لا سيما من خلال تكثيف الرمزية، الغموض، والتلميحات التي تثير الحواس والعقل. وبدأ الأدباء يستخدمون أسلوب الاستهواء ليس فقط لجذب القارئ بل لتعميق تجربته في النص.

في الأدب العربي:

في الأدب العربي، ظهر مفهوم الاستهواء في القصيدة الحديثة والرواية المعاصرة، حيث بدأ الأدباء مثل نجيب محفوظ وطه حسين وغسان كنفاني وغيرهم في استخدام التقنيات الرمزية والمجازية التي تجعل النص جذابًا ومليئًا بالأبعاد الخفية، وبالتالي يدخل مفهوم الاستهواء كجزء من الأدوات المستخدمة للتمكن من الوصول إلى القارئ بشكل مباشر وأكثر إثارة للتفكير.

الاستهواء في النقد الأدبي:

مفهوم الاستهواء أصبح جزءًا من النقد الأدبي في القرن العشرين، حيث يُستخدم في تحليل النصوص التي تهدف إلى جذب القارئ من خلال التقنيات اللغوية والفكرية التي تدفعه إلى التفاعل مع النص وملاحظة تفاصيله الدقيقة.

الاستهواء والتفاعل مع القارئ:

  • خلق الغموض: الاستهواء يتضمن خلق مساحات من الغموض والتساؤلات التي تجعل القارئ ينجذب إلى النص ويشعر بالفضول حول ما سيحدث.
  • التفاعل العقلي: يهدف الاستهواء إلى إشراك القارئ فكريًا وعاطفيًا، مما يزيد من عمق التفاعل مع النص.
  • الرمزية والخيال: تُستخدم الرمزية والأبعاد المجازية لزيادة الإيحاءات التي تحفز القارئ على التفكير العميق في معاني النص.

بالمجمل، ظهر مفهوم الاستهواء كتقنية أدبية تساعد على جذب القارئ إلى نصوص تعتني بالكثافة الأدبية وتثير الفضول والتأمل، مما يساهم في تعميق العلاقة بين النص والقارئ.

نظرية الاستهواء في علم النفس

هي نظرية نفسية تفسر كيفية تأثر الأفراد بالجماعات أو الشخصيات القوية والجاذبة، والقدرة على السيطرة على مشاعرهم أو سلوكياتهم. تعتمد النظرية على مفهوم "الإيحاء" أو "الاستمالة"، حيث يمكن لشخص أو مجموعة التأثير على أفكار أو مشاعر الآخرين عن طريق وسائل نفسية معينة، دون الحاجة إلى استخدام القوة المباشرة أو الإكراه.تستند هذه النظرية إلى عدة نقاط رئيسية:

  1. الإيحاء والتأثير العاطفي: يعتمد الشخص المستهوي على التأثير على مشاعر الآخرين من خلال إظهار صفات الكاريزما، الجاذبية الشخصية، أو حتى قوة الشخصية التي تثير إعجاب الآخرين أو خوفهم.
  2. التحكم العقلي والعاطفي: يكون الأشخاص الأكثر عرضة للاستهواء أولئك الذين يعانون من عدم ثقة بالنفس أو الذين يمرون بفترة من الاضطراب العاطفي أو الفكري. يتم التأثير عليهم بشكل تدريجي حتى يتبنون الأفكار أو السلوكيات التي يريد المستهوي زرعها فيهم.
  3. التواصل غير المباشر: المستهوي قد لا يستخدم اللغة بشكل مباشر أو الأمر المباشر للتأثير، بل يعتمد على الإشارات غير اللفظية، مثل لغة الجسد أو النبرة أو السلوكيات المغرية، ليؤثر في الآخرين.
  4. الجماعات الكبيرة: في بعض الحالات، يمكن للمجموعات أو الشخصيات الكاريزمية التأثير على جماعات كبيرة من الناس، مثل القادة السياسيين أو الشخصيات الدينية أو الثقافية التي تتمتع بقدرة استثنائية على جذب الانتباه والتأثير في العقول.
  5. الديناميكيات الاجتماعية: نظرية الاستهواء تربط بين التأثير الفردي والجماعي، حيث قد يكون الفرد مدفوعًا للانضمام إلى مجموعة معينة بسبب تأثير قائد أو شخصية معينة تستهويه.

غالبًا ما ترتبط هذه النظرية بسياقات اجتماعية، سياسية، أو نفسية حيث يسعى القادة أو الشخصيات المؤثرة إلى استمالة الآخرين لتحقيق أهداف معينة. كما أن هذه النظرية قد تكون مرتبطة بظواهر مثل التنويم المغناطيسي أو التلاعب النفسي، حيث يمكن السيطرة على الشخصيات الأكثر هشاشة أو تقبلاً للإيحاء.باختصار، نظرية الاستهواء تركز على كيفية استخدام الشخصيات المؤثرة للإيحاء والضغط النفسي للسيطرة على سلوكيات ومعتقدات الآخرين، خاصة في سياقات تتطلب الانقياد أو التبعية العاطفية والفكرية

تم عمل هذا الموقع بواسطة