في ذروة جائحة كورونا ، لمسَ العالمُ تراجعاً حادَّاً وصارخاً لدور الولايات المتحدة الأمريكية من خلال انسحابها من منظمة الصحة العالمية ، و من اتفاقية المناخ و غيرها من القرارات الصادمة للمجتمع الدولي ، و التي اعتبرها البعض قرارات اعتباطية و غير محسوبة أو معلومة النتائج تعكسُ حالة التردِّي و الفشل الذريع للإدارة الأمريكية في التصدِّي لتفشي الوباء مما جعلها في صدارة الدول الموبوءة ، و ما تلاها من كوارث بشرية و أضرار اقتصادية فادحة قد تستمر آثارها لسنوات طويلة المدى . و لم تعد تعبأ بالهيمنة أو بالزعامة تجاه دول العالم إلَّا بما يخدم مصالحها ، وكأنه نسفٌ تامٌّ لرحلةٍ خاضتها أمريكةُ منذ الحرب الباردة في أوروبا والحرب العالمية الثانية لفرض زعامتها ، و في المقابل لامسَ الجميعُ تقدماً صاعداً لنظيرتها الصين كبديل عنها وتبنِّيها لمشروعات اقتصادية عالمية تستهدف التطوير وشبكات البُنى التحتية والطرق لربط قارتي آسيا وأفريقيا وأوروبا عن "طريق الحرير " الذي يضم 56 دولة ، تبدأ بالصين و يمرُّ عبر تركستان وسوريا وفلسطين وصولاً لمصر ودول شمال أفريقيا و أوروبا ، وتعاوناً عسكرياً مكثفاً مع روسيا وسعيها الدائم في السيطرة على دول الجوار ، و قد يحسبُ البعضُ أن القيادة تتجهُ للشرق "بكين " ، لكن هذا بعيدٌ كلياً عن المنطق ، فلا توجد شراكات حقيقة تستند عليها ؛ أي قوى أو حتى المجتمع الدولي ، وبالرغم من السعي الدائم و السخاء المادي للتنين الصيني، لإثبات شرعيته الدولية كقوى عظمى إلَّا أنَّ ممارستها الداخلية و الخارجية كإخفاء الحقائق المتعلقة بالفيروس و للتطهير العرقي و الإبادة و الاحتلال الصوري للشعوب بإقراضها و إنشاء ثكنات وقواعد عسكرية في القرن الأفريقي ، بدأ يشكِّكُ في نواياها في تحقيق العدالة والتنمية للمجتمعات النامية ، وهي تسير على المنهاج الأمريكي نفسهِ في الترويج لفكرة إعادة بناء العالم وحشد الحلفاء ، فالتنينُ الصيني بدأ ينفِّذُ والتمساحُ الأمريكي يرصدُ ، والخضوع الزائف لا يخفى على أحد من الدول التي ستحاول إحباط مخططاته مهما كلفها الأمر ؟ الصينُ عازمة على المضي قدماً بشراكات عربية و إقليمية قوية ، في حين أنَّ المنطقة العربية على شفا جُرف من نار و حافة الهاوية .
فهل بدأت حرب الجيل الخامس شرارتها و اتخذت أشكالاً أقلَّ كلفةً من التدخل العسكري للهيمنة والسيطرة على العقول ، وجعل المجتمعات تتبني سياسة الاحتراق الذاتي ، وخلق الفوضى العارمة كي تتيح للدول الكبرى التدخلات السريعة ؟ وهذا لامسناه بعد تفجير بيروت في الخامس من الشهر الحالي ، ومن دلالاته زيارة الرئيس الفرنسي "ماكرون " ومطالبة شعبية بعودة ورعاية الانتداب الفرنسي للبنان الجريح، لتعودَ للظهور نظرية خلق الفوضى العارمة ومن يتبنى سياستها الخفية من جديد .بقلم أ/هويدا عبدالعزيز