قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِأنَّهم قالُوا لَنْ تَمَسَّنا النّارُ إلا أيّامًا مَعْدُوداتٍ﴾ أيْ حاصِلٌ لَهم بِسَبَبِ هَذا القَوْلِ الَّذِي رَسَخَ اِعْتِقادُهم لَهُ وهَوَّنُوا بِهِ الخُطُوبَ ولَمْ يُبالُوا مَعَهُ بِارْتِكابِ المَعاصِي والذُّنُوبِ، والمُرادُ بِالأيّامِ المَعْدُوداتِ أيّامُ عِبادَتِهِمُ العِجْلَ، وجاءَ هُنا ﴿مَعْدُوداتٍ﴾ بِصِيغَةِ الجَمْعِ دُونَ ما في البَقَرَةِ [80]
فَإنَّهُ ﴿مَعْدُودَةً﴾ بِصِيغَةِ المُفْرَدِ تَفَنُّنًا في التَّعْبِيرِ، وذَلِكَ لِأنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ لِغَيْرِ العاقِلِ يَجُوزُ أنْ يُعامَلَ مُعامَلَةَ الواحِدَةِ المُؤَنَّثَةِ تارَةً ومُعامَلَةَ جَمْعِ الإناثِ أُخْرى، فَيُقالُ: هَذِهِ جِبالٌ راسِيَةٌ، وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: راسِياتٌ، وجِمالٌ ماشِيَةٌ وإنْ شِئْتَ: ماشِياتٌ، وخُصَّ الجَمْعُ هُنا لِما فِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى القِلَّةِ كَمَوْصُوفِهِ وذَلِكَ ألْيَقُ بِمَقامِ التَّعْجِيبِ والتَّشْنِيعِ.
﴿وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٍ دَرَ ٰهِمَ مَعۡدُودَة وَكَانُوا۟ فِیهِ مِنَ ٱلزَّ ٰهِدِینَ﴾ [يوسف ٢٠]
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿دَراهِمَ﴾ بَدَلٌ مِن ثَمَنٍ أيْ لا دَنانِيرَ ﴿مَعْدُودَةٍ﴾ أيْ قَلِيلَةٍ وكُنِّيَ بِالعَدِّ عَنِ القِلَّةِ لِأنَّ الكَثِيرَ يُوزَنُ عِنْدَهم وكانَتْ عِدَّةُ هَذِهِ الدَّراهِمِ في كَثِيرٍ مِنَ الرِّواياتِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وفي رِوايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ اثْنَيْنِ وعِشْرِينَ، وفي أُخْرى عَنْهُ عِشْرِينَ وحُلَّةً ونَعْلَيْنِ، وقِيلَ: ثَلاثِينَ وحُلَّةً ونَعْلَيْنِ، وقِيلَ: ثَمانِيَةَ عَشَرَ اشْتَرَوْا بِها أخْفافًا ونِعالًا، وقِيلَ: عَشَرَةً، وعَنْ عِكْرِمَةَ أنَّها كانَتْ أرْبَعِينَ دِرْهَمًا، ولا يَأْبى هَذا ما ذَكَرَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِن أنَّ عادَتَهم أنَّهم لا يَزِنُونَ إلّا ما بَلَغَ أُوقِيَّةً وهي أرْبَعُونَ دِرْهَمًا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ أنَّ الأرْبَعِينَ قَدْ تُعَدُّ
د.فاضل السامرائى:
القاعدة: جمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات معدودات جمع قلّة وهي تفيد القلّة (وهي أقل من 11) أما معدودة تدل على أكثر من 11، وقد قال تعالى في سورة يوسف (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) أي أكثر من 11 درهما، ولو قال معدودات لكانت أقل.