السمات الروائية - صرخة الرفض أنموذجا
تَوطئةٌ
ما بين الإعْتقادِ والظَّنّ بُحورٌ عميقةٌ وعُقولٌ ضَحْلةٌ، حِينَمَا يعتقدُ أنَّ النَّقدَ لا يخرج ُ عَن الصُّندوقِ الأسودِ والأفُق الرّماديّ، وأنَّ النَّاقدَ كُلّمَا فَشِلَ في تَحقيقِ غَايتهُ و مَآربهُ؛ اِنْتَهَجَ النقدَ. واِتخذهُ أداةً سُفِسطائيّةً لإسْقَاطِهُ و كَبْواتِهُ. وقَدْ يُعتقدُ أنَّ الكاتبَ يَحتاجُ إلىٰ كتابةِ المئاتِ من الأَقَاصِيصِ كَي يَلقَّىٰ حَفَاوَةً وَ ترحِيبًا بيْنَ الأَوسَاطِ الأَدبيةِ و تَحْنُو نحوهُ ذَائقةَ أربابِ الفكرِ وحَسِيبي اللَّهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا… إنْ كنتُ مخطئةً فِيمَا أَظَنُّ فالحَجرُ لا يعَكِّرُ صَفْوَ المَاءِ إِلا الرَّاكِدَ مِنهُ وكُلنا مِن فَرطِ وَلعنا بالمَحابرِ و أثرَ المِدَاد “خَرجِنا مِنَ مِعطفِ غُوغُول”.[1]
يقولُ الكاتبُ الأمريكيّ أرنست هيمنجواي: في روايتهُ العجوزِ والْبحرِ” كُلُّ امْرِئ يستطيعُ أن يزعمَ أنّهُ صياد”ولكنْ بَعضُ الادعاءِ خطيئةٌ إن تيَقَّنا أَنَّ البحرَ قدْ ظَمِئَ، فابتلعَ ماءَه جملةً و تفصيلًا. وعادةً أُعاني من دوارِ البحرِ والعَمی النقدي نفاذًا لبصيرةِ أرجوها، فليس أشد حَفاوةً لقلبي من الغرق والانغماسِ في قِراءة عمل أدبي، والنهلِ منهُ نهلَ المثقفِ الواعي. فما تمسكهُ عين , تفقدهُ الأخرى وتأتي بجديد . فِي عَام 1954 فَازَ ” العَجوزُ والبَحرُ” ونَالَ عَليهَا “أرنست همنغواي ” جَائزةَ نُوبل للأدبِ رغُمَ قِصرُ حَجم الروايةِ لَكِنَّ هَذه الرواية ُ ” نَهضتْ دَليلًا من أدلةِ القياسِ الفِكريّ العالميّ على أنَّ الكيفَ أكثرُ عُمقًا مِنَ الكمّ ومُصَدَّقٍ لذلك أنّ قضاةَ اللّجنةِ مَنحُوا هذه الجائزةُ “لأرنست همنغواي “دُونَ سَائرِ أعَمالهُ “ص9 [2]
و َالَّتي خُطتْ فِي مائة وعشرين صَفحةً” إذْ أَنَّ الكمَّ ليسَ مِعيارًا للجودةِ أو للحُكم مجملًا.
لنَعُد لـــــصرختنا ودَلالتها ” صَــــــرخةُ الــــرَفضِ ” و الَّتي تَقعُ فِي اِثْنَتي وسبعين صفحة ، وسمات بُنْيتُها الحَكائِيّة . تُعدُّ الحِكايةُ شكلًا من أشكالِ القصّ، أيَّا كَانَ جِنسهُ أو نوعه { أُقْصُوصَة أو رواية} وقَالبهُ { نثريُّ أو شعريُّ} فهدفُ القصّ التَّهْذيبِ وإِضْفاءِ صبغاتٍ جماليةٍ مُحَبَّبةٍ إِلَىٰ النُّفُوسِ ، مُتَّسِقِةٍ مَعَ المنطقِ والعَقلِ بعيدًا عن أَوبارِ الإسْهابِ أو التّرهلَ اللغويّ. مَا يزالُ تحديدُ نوعيةَ السّردِ الأدبيِّ و كَمهُ يُشكلان لدی المنظرين والباحثين علامةً فارقةً, كما بينَ المشرقِ والمغربِ بَوْن شاسع , نتيجة الفارقاتِ اللغويةِ الشاسعة بينَ اللغاتِ الحيةِ كالعربيةِ و الإنجليزيةِ أو اللغاتِ القَاصرةِ كالألمانيةِ. إِنَّ مُحاولةَ وَضعُ اللغةِ العربيةِ في مُقارنةِ معَ نظيرتِها منَ اللغاتِ الحيةِ أشبهُ بمقارنةِ المحيطِ بالبحر كليهما مَاء, وليسَ كلَّ الماءُ أجاجٌ ولا عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ. فالترادفُ المطلقُ لا وجودُ لهُ , إذْ تُقدم العربية وصفًا دقيقًا مفصلًا ومحكما لكلّ لفظٍ , وما كلّ كتابٍ قرآنٍ, فُروقاتِ لفظيةٍ تتفاوتُ و تتسعُ أو تضيقُ في عُمقِها وتَوغُّلها الفكريّ والأدبي وعليها فالروايةُ طالتْ أم قصرتْ – غَيرُ النُوفيلا أو الـأُقصوصةُ – فروقات طفيفة للعيان لكنَّها تختلفُ في جوهرها عِندَ تَوَخّي البيانِ في الأحكامِ و الأختامِ, كمَا تختمَ البرقيةُ و الرسالةُ و الخطابُ .
ولم يزلْ تشظّي الأجناسَ السَّرديةِ وتداخلها يُشكلُ مُعضِلةٌ لدى بعضِ جُمهورِ القراءِ أو الكتابِ إلا يكونا كليهما, فَلا نَكُ فِي مِرْيَةٍ منَ الأمرِ. فما الفرق بين الروايةِ والنُوفيلا ؟
ورد في قاموس المعاني بالألمانية ترجمة لفظة الرّواية القصيرة على أنها “Novelle” اذ أن مصطلح النوفيلا ظهر في الأدب الألماني ومن بعده الأمريكي وفي مقارنة مع “العجوز البحر ” أو المعطف ” للروسي ” نيكولاي غوغول ” تقوم النوفيلا علی فكرة واحدة ولا تتجاوزها ، بِإِسْهاب تكن محور الصراع وتدفعه نحو المجهول ، على عكس الرواية القصيرة ( صرخة الرفض ) التي تركز على” قَصَّة طَوِيلَة تَسْتَعْرِض حَيَاة أُسْرَة بِأَجْيَالها”[4 ] وتتقصى أخبارهم مدفوعة بالتكثيف والايجاز. لو اتخذنا عدد الكلمات كمعيار للحكم لاختلط علينا الأمر وقلنا أن الرواية القصيرة والنوفيلا مترادفتان مجازيا فالرواية التي بين أيدينا لا تتجاوز سبعة وعشرين ألف كلمة و كما حددت لجان التحكيم الدولية الرواية لا تتجاوز أربعين ألف كلمة في حين النوفيلا ما بين ثلاثين إلی سبعين ألف كلمة .
مُجْمَلُ القَوْلِ فإن صرخة الرفض – رواية قصيرة واقعية مأساوية – بجدارة .وآثرتُ فيدِراسَتي لهذا المنجزُ الروائي اعتماد المنهج التحليلي الوصفي والذي يعد امتدادً لتفكيكة “جاك دريدار”هدم من أجل البناء لأَكن أَكثرُ اِنفتاحًا وشُموليةً علىٰ النَّصِ الروائيِّ ، وأتقدمُ بخَالصِ الشكرِ ووافر التقديرِ للأديب مختار سعيدي الذي شَرفني وخَصَّني بهذا المُنجز الروائيّ للإطلاعِ عَليه و تَقدِيمِ دراسةٍ مُستفيضةٍ، وأتمنی أن أكون وُفقتُ وعنـدَ حسنِ ظنَّه في هذا العمل ، وعسیٰ أن ينتفعَ بهِ، كل طالبِ علمِ أو مريدُ أدب وأسْألُ اللهُ بهِ مغفرة و رحمة وكلّ مايقربنا إلی الجنةِ منَ قولٍ وفعلٍ وعذرًا للإطالة .. مختصر البحث نبذة مقتضبة عن الكاتب في سطور : ملامح النص الروائي والشكل المؤطر به الفرق بين النوفيلا و الرواية في المفهوم ودلالته السمات الراوئية وأنماطها في صرخة الرفض الفضاء الزمكاني أهم القضايا التي عالجتها الرواية
ــــــــــ في مفهوم الصرخة ودلالتها ـــــــــــــــــــــــــ
الصَّرخةُ لُغَةً: تُعرِّفُ اللُغَةُ علیٰ أصْواتٍ وكلماتٍ، يُعبرُ بِها كلّ قَوم عنْ أغراضِهم. [5 ](فقهية)
والصرخة لغةً: استغاثةٌ أو صَيحةٌ شديدةٌ، نتيجة عاطفة كالخوف أو الفزع ” قاموس المعاني” [6 ]
وفي الأَضْدَاد صَرَّة ، صَيْحَة، ضَجَّة، عَوْلَة , كَلماتٌ تشيرُ إِلى وَقْعِ الصدىٰ ، لأداء جَلْجَلَة جُهورية، أديدٌ شديدُ الإيقاع على الأذن ، بلغَ مَداهُ كمَا
{ بلغَ السيل الزبي } لتوجيه دفة الدلالة و الفكر نحوَ الأحداثِ المرتقبة و التوقعات المَرْجُوّة والنتائج المحتملة ودون الدخول في أصل اشتقاق كلمة، فقد وُردت لفظة الصرخة في ثلاث مواضع في القرآن الكريم لم تحنو مُنحنيًا اِيجابيا ظَلَّت مُفردةً عصيةً علىٰ الفرحِ، مصاحبة لصروفِ الدَّهر وشدائده، البَلاء الذي لا نملك له صَدَّ و الإِبْتِلاء الذي لا نملك فيه يد أو دَرأ لسقم أو دفع كرب. وانحصر أهل الصرخة في أتباع الشيطان وعبدة الشهوات و أهل النار .
ــــ في مفهوم صرخة الرفض ودلالته ــــــــــــ
إن أَقْسَى مَا قَدْ تَصَادُفُ النفسُ البشريةِ آلام الرّفضِ و الهَجْرِ و الأشدُ بؤسًا شُعورَ المرءِ بأنَّه كَائنٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ، دَبَّ فِيهِ دَبِيبُ الحَيَاةِ مُصادفةً، جَاءَ عَالَةً على المُجتمعِ و سَرَى رُوَيْدًا رُوَيْدًا عَلى هَامشِ الحَياةِ، لايرْتَقي للفعلِ أو العيشِ لحَياةٍ كريمة، مُتوحدًا و مُنْعَزِلًا و مَنْبُوذًا، و مُتطفِّلاً عليهم. وبالرغم من غَزارةِ الأبحاثِ والمراجعِ الَّتي تَناولتْ المشكلات الاجتماعية، نَدرتْ فِيما يَتعلقُ بالرّفضّ الإجتماعيّ كَظاهرةٍ مجتمعيةٍ مُتفشيةٍ ومُتوغلةٍ لمْ تَعد تُمَارَس سُلطتها في خفاء، وحَرَى أن يُؤتي به أَعْلَى قائمةُ المشاكِل المُجتمعيةِ الْغَامِضَةِ و الْمُعَقَّدَةِ لمَّا لَها مِن تأثيرٍ و تَبعاتٍ سَيْكُولوجِية { نفسية} وسيوسولوجية {اِجتماعية } فَكلاهُما وَجهين لعملةٍ فاسدةٍ مُعطياتها التحَرُّش و اِسْتِغْلالَ النُّفُوذِ و الْفَسَادِ و التّنمُرِ و الإنتحارِ وإِدْمانَ المُسْكِراتِ والْمُخَدِّرَاتِ والعَقاقيرِ جَرائمٌ مُرْوِعَةٌ نَاجَمَةٌ عَنْ انحرافات السلوك البشريُ ومسَبِّباتها من اِضطراباتٍ للشخصيةِ، قَلقٍ و وساوس شَيّطانيةِ وأنماط عُدوانية .
و فِي رِحْلةٍ بَحثٍ عَنْ دِفء المَشاعرِ تُشَكِلّها صَرخةً مدوّيةً تُذيبُ صَقيعَ العالمِ وكُنه مَشاعرِهُ الجَامدة، تشكلُ الصرخة منعطفا إنسانيا يَنطلقُ الكاتبُ فِي رِحلةٍ تِراجِيدِية مَأْسَاوِيّة تَموضَعَ عُنوانها بـــ “صرخة الرفض “و احتلّ صَدارة الحدث و إنطلاقته لعل أشهر الفنون العالمية التي تناولت الصرخة لوحة النرويجي ” إدفارت مونك”.
ملخص البحث
هي رحلةٍ سَرديةٍ عَمِيقةُ الأثر وعظيمة الرَجْع، نرْتحل مَعها إِلى الآفاق ، تكشفُ لنَا عَنْ لَوْحَةٍ حَيّةٍ، خَلَّدتْ ذِكرَاها صَرخةٌ مُدَويةٌ . مَأْساويةٌ مُزدانةٌ بألوانِ مُتَآلِفَةٍ و مُنْسَجمةٍ معَ مَخارِيطِ الحياةِ التي أضْحی وجه الموت اعتياديًا و بصُورٍ مُفْجعةٍ بينَ الأَبْيَض و الأَسْوَد و الأَحْمَر و الموت الزُّؤَام . و بإِيجَاز المنقب عنْ وقعِ صَداها . نُزيحُ السِتَار ، نَستجلي الأمر ، نكشفُ عَمَّا حُجِبَ خلفَ الكواليسِ، كيان الإنسانِ وَ رَقائِقَهُ ، هويتهُ و شَمَائِلهُ يُحدثُنا عَبرَ لغةَ العَقلِ والجسدِ وبأسلوبٍ أدبي فَلسفيّ لَا يَجْنحُ للفلسفةِ و تَعقِيدُها، بلْ إعمالٌ للعَقلِ والفكرِ, مُرفقٌ بأُمْثولاَتٍ مجسدةٍ، جَاءتْ في سِياقِ الأحَداثِ لهَا من العِبْر والعظات مَا يَدفعَ المُتلقي للتأمل و التوقف عَنْ مداراتِ الحَياةِ وتَأْتِي صَرختهُ مقرونةً بالرفضِ .
الرفضُ عَادةً يَقَظَةُ ضَميرٌ، صَحْوَةُ مشاعر تستنهضُ هممَ الغَافلين مِنَ سَراديبِ الوَهمِ و الجَهلِ والزيفٍ . ثَورة تَعلو إلیٰ جَادَّةِ الصَّوابِ و الْحَقّ ، للنَّظرِ في اِضطراباتِ الهويةِ ومسبباتها فالنَّساوَة لمْ تَعدْ ذاكرة فردية معنية بَلْ امتدتَ للذاتِ المجتمعيّة والقوميّة .ثورة على قُيود الخوف والاستبداد صوتَ الضميرِ المدفوعِ ” بِلا ” الّذي يفرضُ إملاءاته ضدّ الاِنْسِلاخِ من الفطرةِ البشرية، انصهارا لهوية أو نكرانا لذاتِ عربية، أو تيسر سُبل الاستقامة باسم الحريات حدّ الضَّياع فِي بَريقِ الوَهم والحداثة , أنْ تتحولَ الآدَميَّة لبوهيميّة مستوحشةٍ، ومن مَشروعِ “حرّيَّة الإنسان ” لمَيْكَنة تدارُ وفقَ آليات قابلة للهدمِ و البناءِ و إعادة التفكيك والتركيب بما تهواهُ الأنفس. صرخةٌ تستوقفُ الْعَمَهُ و الانسياقُ الأعمىٰ الذي يَقُودها للهاويةِ. أو أنْ يُقدَّسَ الْعَنَت و تُمجِّدَ الخرافاتِ والأبَاطيل ويُدنس الفكر و يغالط الْوَعْيَ وَينفي الْإِرَادَة و سنة اللَّهِ فِي الاختلاف و التَّغْيِيرِ والتشريع ، صرخة تتعامل بحِدةِ مَعَ عمق الحياة و الخطر , تكشفُ عَنْ أَجيال رَبَتَ لاهيةً، غافِلةً عن مَبادئها، متناقضة ٍمع ذواتها وفطرتها، غريبةٍ عن هويتها و محيطها ونشأتها. تتكالب على الملذات والشهوات كما الذئاب على فرائسها. صرخةٌ ترفضُ سَلاما يهضمُ الحُقوق و يغضُّ الطّرف عن الوَاجباتِ، يمارسُ سُلطة التَّجويع خِفَّة بالعقول ودعة بالتسليم فلا ملاذ آمن و لا مأوی للأرواح في ضِلالات الجسد, أدناسه , اِنْغمَاسه فِي الشَّهواتِ . صرخةٌ تستنهضُ ضَميرَ أربابَ الفكرِ، تحطمُ آلهة الزيف تَقتلعُ جذور الشر و منابت الشياطين ، تستجمع آهاتُها وابتلاءها وتُطلقها دفقةً واحدةً ، تجوبُ الأرض من أقصاها لأقصاها علّها تَجدُ لها آذان صاغية. فلا مغيث ولا ناصر لها من دون الله . . حيث قسم الفضاء الزمني الى ثَلاث مراحل الأول : النطفة انطلاقة شرارة الحدث و تصاعد وتيرتها الثاني: من الميلاد لسن الخامسة و ومرحلة التأزم وانهيار الأحداث الثالث : من الخامسة لسن الثامنة عشر وانجلاء العلة متضمنة حياة أسرة خلال أربعة أجيال .
السمات الروائية- الجزء الثاني
ولمّا كانَ تأليفُ الأدبِ مَقرونًا برداءِ النَّفسِ فَمادّةِ الشخصياتِ و مَرجِعُها الأولُ”علمُ النَّفسِ” قال:“renne wallek ” إنَّ سيْكُولُوجيّةَ الأدبِ تضمنتْ أربعِةَ تعاريف
1- دراسةُ المُؤَلِّفَة” الأنا الثانية ” فَصِناعَةُ الأدبِ مرتبطٌ بإنتاجِهِ المُتخيّل
2- دِراسةُ المُبتكَرِ والدَّافعِ والشُّعورِ
3- دراسة النظرية والمضمون للإنتاج الأدبي.
3- دِراسةُ تأثيرِ الأدبِ مِنْ نَاحيةِ الحِكايةِ علىٰ القارئ ” الأثر [1 ].
فالشَّاعِرُ يَنقلُ الواقِعَ بعَاطفتهِ، ويَتَمَاهَى فِي شَخْصِيَاتٍ لَيَنْقُلَ أفْكَارهُ، علیٰ عَكْس المُفكرِ الناقدِ الذِي يعملُ بعقلهِ، يُحلل و يفسرُ كينونةَ العَمَلِ ويُحَاوِلُ سَبرَ أغوارهِ للوُلُوجِ لِمَكَاِمِن النَّفْسِ البَشَرِيَّة مُحاولًا فَهم دَافِعها وصِراعِها وإلا لَتَجَرَّدَ القَانُونُ مِنَ المَعْنَى الإِنْسَانِي وَاقْتَصَرَ عَلَى العُقُوبَاتِ دُونَ حِفْظِ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ.
إِنّ الابْتِكَارَ الحَقِيقِيَّ لَيْسَ الكِتَابَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا، بَلْ كَيْفِيَّةَ جَعْلَ الكِتَابَة أثَرًا وقِيمًأ مُخَلَّدَةً، فَمَا غَائِيَّةُ الأَدَبِ إِلَّا غَرْسَ القِيَمِ وَالحَقِّ وَالخَيْرَ وَالجَمَالَ وَتَرْسِيخَهَا فِي النُّفُوسِ لِتَهْذِيبِهَا، فالأدب ليسَ ترافًا بل جسد للفكر والثقافة .
أولاً : الأَنَا المُؤَلِّفَــــــــــــــةُ:
يَشُقُّ عَلَيْنَا بِدْءَ الرِّوايةِ أَنْ نَعْرِفَ مَاهِيَّة الرَّاوِي ، وَظِيفَتَهُ السَّرْدِيَّةَ، نَمَطُهَا المُتَفَاعِلُ ودَافِعها، قَبْلَ أنْ نَخُوضَ غِمَارَ الصَّفحَاتِ العَشْرَةَ الأولَى، لِنَكْتَشِفَ آفَاقَ النَّصِ الرِّوائيِّ المُزدَحِمِ بِالأَحْدَاثِ ونَقتَحِمَ أجْوَاءه المُكَثَّفَةِ ، المَشْحُونَةِ بِالانْفِعَالاَتِ وَ العَواطِفِ، وَالمُفْرَغَةَ مِنَ الحُبِّ ، المُثْقَلَةَ بَحَوَادِثِ الدَّهْرِ لِشُخُوصِهِ. وَتُعَدُّ الأنَا المُؤَلِّفَةُ أَحَدَ عَنَاصِرَ البِنَاءِ الرِّوَائِيِّ أَهَمِّيَّةً:
لأنَّهَا” الكُونْدِكْتَرْ” الذِّي قَادَ الأورْكِسْتْرَا، وَ وَحَّدَ الأدَاءَ بَيْنَ الشّخُوصِ، وَقَامَ بِضَبْطِ إِيقَاعِ النَّصِّ الرِّوَائِيِّ , حَدَّدَ أهَمِّيَّةَ كُلّ دَوْرٍ حَسْبَ دَرَجَاتِ التَّأَثُّرِ وَ التَّأْثِيرِ وَالقَرَابَةِ . هِيَ الشّخْصِيَّةُ الوَحِيدَةُ المُنْفَتِحَةُ عَلَى ذَاتِهَا وَذَوَاتٍ أُخَرَ، عَيْنَ المُراقَبِ المُطَّلِعِ عَلى العَالَمِ بِأدَقِّ التّفَاصِيلِ، وَ المُحَلِّلُ الذِّي شَارَكَ سِيَاقَ الأحْدَاثِ وِفْقًا لِمَا رَءَاهُ، تَوَغَّلَ فِي عُقُولِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ ، اسْتَشْعَرَ عَوَاطِفَهُمْ، وَاسْتَنْبَطَ دَوَافِعَهُمْ وَرَغَبَاتِهِمْ، و أفْشَى نَوَايَاهُمْ وَتَقَصَّى حَقَائِقَهُمْ وِفْقَ تَرْتِيبٍ زَمَكَانيٍّ مُتَخَيَّلٍ، وَ الذِّي مَنَحَ النّصَّ الرّوائِيَّ طَابَعَهُ الدّلاَلِيَّ وَالشَّكْلِيَّ. حَيثُمَا تَنَوَّعَ أُسْلُوبُ الخِطَابِ، مِنْ حُبْكَةٍ لِأُخْرَى ، يَتَنَوَّعُ أُسْلُوبُ الرَّوِاي مُتَّخِذًا ضَمِيرَ المُتَكَلِّمِ، وَأَحْيَانًا تَوَارَى فِي صِيغَة الغَائِبِ ،صَانِعًا دَوْرَهُ وَ أُسْلُوبَهُ بَيْنَ المُهَمَّشِ، المُتَعَدِّدِ الأَدْوَارِ ، الشّخْصِيَّةُ الهَدَّامَةُ.
وِفِي هَذَا الصَّدَدِ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ رَحِمَهُ الله في برهانه أَقْسَامَ وَ فَوَائِدَ الالْتِفَافِ البَلَاغِيَّةِ وَأَهَمِّيَّتُهُ “
الالْتِفَات : هُوَ نَقْلُ الْكَلَامِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى أُسْلُوبٍ آخَرَ ، تَطْرِيَةً ، وَاسْتِدْرَارًا لِلسَّامِعِ، وَتَجْدِيدًا لِنَشَاطِهِ ، وَصِيَانَةً لِخَاطِرِهِ مِنَ الْمَلَالِ وَالضَّجَرِ بِدَوَامِ الْأُسْلُوبِ الْوَاحِدِ عَلَى سَمْعِهِ “.
و لِفْهْمِ “سِمَةِ ” الشَّخْصِيَّاتِ الرِّوَائِيَّةِ، تَكُنْ وِفْقَ عَلاَمِاتٍ تَتَضَمَّنُ دَلاَلَاتَ،ِ كَنِتَاجٍ ثَقَافِيٍّ ذَاتُ مَعَانِيَ ” العَلاَقَاتُ الإجْتِمَاعِيَّة” وَ” الأنْسَاق” وَ” القَانُون ” المُنَظِّمُ لَهَا” وَ الأهْدَافَ المَنْشُودَةَ”. فَمَا طَبِيعَةُ الدَّوْرِ الاجْتِمَاعِيِّ للرَّوِاي، الأسْرَةُ النَّوَاتِيَّةُ .. وَمَا نَمَطُ العَلاَقَاتِ ” ثُنَائِيَّات ،مُثَالَثَات ، هَرَمِيَّة ” الرَّوَابِطُ بَيْنَ الدَّوِالِ الوَصْفِيَّة المختلفة… ونتبينُ بَعــــدَ حِينٍ ومَا فَوقَ المُتوقعِ أنَّ الرَّواي طَوْرُ نطفةٌ .
أَيُعْقَل ؟! وَ تِلْكَ الثَّمَرَةُ التِي تَتَشَكَّلُ فِي رَحِمِ الأيَّامِ لَهَا دَرَجَةً مِنَ الوَعيِّ والادراكِ كَيّ تُحبَّ وتَكرَهُ. واشْتَمَلَتْ الرِّوَايَةُ عَلیٰ العَدِيدِ مِن الحُبْكَاتِ جَاءَتْ وِفْقَ تَرْتِيبٍ زَمَنِيٍّ طَوِيلٍ أَوْجَزْنَاهُ فِي ثَلاَثْ :
العُقْدَةُ الأولَى ـ الهَاجِسُ اللاَّشُعُورِي *
التَّكْوِينُ الرِّوَائِيُّ :
جنينٌ يَسْكُنُهُ الهَلَعَ وَالخَوْفَ وَ هَاجِسَ الفُضولِ ، يَشْعُرُ أنَّهُ تَرْكِيبَةٌ بَيُولُوجِيَّةٌ مَرْهُونَةً بَأنَانِيَّةِ الأمِّ وَتَهَوُّرِ الأبِ . – يَعِيشُ فِي زَنْزَانَةٍ، يَنْتَظِرُ الخَلَاصَ عَلىٰ ذَنْبٍ هُوَ ضَحِيَّتُهُ .
ـ يَكْرَهُ الرَّجُلَ الذِّي وَضَعَهُ عَلَى هَامِشِ الحَيَاةِ وَتَرَكَهُ وَحِيدًا وَهَجَرَ حَبِيبَتَهُ .
فَكَانَ مِحْوَرَ الصِّراع وَ اِنْطِلاَقَتَهُ. *أَطْرَافُ الصِّرَاع الخَطِيب (س ) وَالمَخْطُوبَة (ص ) وَ غِيَابُ القَانُونِ المُنَظِّمِ لِلْعَلاَقَةِ بَيْنَهُمَا ، تَنْشَأُ عَلاَقَةٌ حَمِيمَةٌ طَوِيلَةُ الأمَدِ خَارِجَ إطَارِ الزَّوَاجِ أَثْمَرَتْ عَنْ نُطْفَةٍ، أَدَّتْ إلَی هَجْرِ الخَطِيبِ , وَأَعْقَبَهَا الشُّرُوعُ فِي الانْتِحَار .
*مَظَاهِرُ تَأْبِينِ الشَّخْصِيَّات : الشَّغف، الحُبُّ ، الهَجْرُ، الظَّوَاهِرُ النَّفْسِيَّة ـ الإجْتِمَاعِيَّة المُتَرَتِّبَة
التَّعَلُّقُ المَرَضِيُّ ، هَجْرْ تَحَرُّرْ مِنَ السُّلْطَة
ـ غِيَابُ الدَّوْرِ الأبَوِيِّ المُوَجِّهْ ، الخَوْفُ مِنَ المَسْؤُولِيَّة – عَلاَقَاتٌ مُحَرَّمَة، العُنْفُ النَّفْسِيُّ ـ مُوَجَّهًا فِي جَلْدِ الذَّاتِ. تَدَنِّي تَقْدِير الذَّات وَ التَّنَمُّر .
عَالَمٌ مِيتَافِيزِيقيّ وَمَا وَرَائِياتِ الحَيَاةِ، يَكْشِفُ عَنْهُ الكَاتِبُ عَبْرَ كَوْكَبَةٍ مِنَ التَّسَاؤُلاَتِ الوُجُودِيَّةِ. والإشْكَالِيَّاتِ الفَلْسَفِيَّةِ وَالمُجْتَمَعِيَّة , بَحْثٌ فِي الكَيْنُونَةِ وَالهَوِيَّةِ وَ العَقْلِ وَ الجَسَدِ وَمَا يَنْتَابُهُمْ
“أُمْثُولاَت فَلْسَفِيَّةٌ مُجَسَّدَة” فِي سِيَاقِ السَّرْدِ وَالوَصْفِ ، جَاءَتْ كَمُنُولُوجَات دَاخِلِيَّة ذَاتَ دَلاَلَةٍ، وَ سَوفَ نَسْرِدُهَا بالتَّحْلِيلِ : وَفِي هَذَا الصَّدَدِ ذَكَرَ ابْنُ رَشِيقٍ صَاحِبُ العُمْدَة فِي مَفْهُومِ الاشَارَة ” كُلَّ نَوْعٍ مِنَ الكَلاَمِ سِمَةٌ دَالَة .بِاخْتِصَار ، وَتَلْوِيحُ مَايُعْرَفُ مُجْمَلاَ مَعْنَاهُ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ ” .[ 2]
و الاشَارَةُ أَنْوَاعٌ: مِنْ بَيْنِهَا الرَّمْزُ وَكِلَاهُمَا مِنْ طُرُقِ الدَّلَالَةِ.[3 ]
” وَمَا بَيْنَ الحَقِيقَةِ وَالخَيَالِ فِي العَقْلِ إلَّا بَرْزَخُ الإرَادَةِ”. ص4 صرخة الرفض
أَعْظمُ مَا مُنِحَ للبَشَرِيَّة ِهِي الإِرَادَةُ ” طوق نجاة “
للتَّمْيِيز بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ ، المَقْدِرَةُ عَلَیٰ التَّحدي والصُّمُودِ ، مُخَيَّرٌ وَ مُسَيَّرٌ فِي آنٍ وَاحِدٍ. فِي كُسِره؛ انْجِبَارٌ . وَفِي سُقُوطِهِ؛ نُهُوضٌ و اعْتِزَامٌ عَلَى الْمُضِيِّ قُدُماً، خُضُوعُهُ تَمَرُّدٌ وَ اسْتِكْبَارٌ. اسْتِغْنَاءُهُ؛ فَقيرٌ إلَى أَيْسَرَ الحَاجَةِ. لَا نَارٌ تحرقُ، أو نُورٌ يَخْمُدٌ، طِين لازِبْ مُؤْتَمِرٌ بِأَمْرِهِ. فَالإرَاَدَةُ خَلِيطٌ مَنَ الرَّغْبَةِ وَ العَزْمِ، وَ تَحْكُمُهُ الظُّرُوفُ وَالتَّحَدِّيَات ُوَالشَّخْصِيَّةُ .
” لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ أنْ أَسْبِرَ أَغْوَارَهَا. جَسَدُكِ أَيَّتُهَا المَرْأَةُ سَبَبُ شَقَائِكِ ” .ص3
لَا يَزَالُ كَنَهُ الجَسَدِ يُشَكِّلُ مُعْضِلَة لا يُهتَدَى لِوَجْهِهَا , شَغَلَتْ عُقُولَ المُفَكِّرِينَ وَالخَائِضِينَ غِمَارَ أَدَبِيَّاتِ اللُّغَةِ، الذِّينَ سَكنَهُمْ هَاجِسُ اللُّغةِ” طَبِيعَتُهُ و تَحوِّلاتهُ ” “تَوَجُّهَاتُهُ” الفِكْرِيَّة وَالأدَبِيَّةُ وَالحَدَاثِيَّةُ . طَالَمّا الجَسَدُ مَنْطِقَةٌ نَافِذَةٌ ، فَالجَسَدُ سَلْطَة، و السُّلْطَةُ جَسَدٌ. فَالأوَّلُ يَمْنَحُهُ مَكَان والثَّانِيَةٌ تَمْنَحُهُ مَكَانَةً، قُوَّةٌ نَاعِمَةٌ فِي يدٍّ مُهَيْمِنَةٍ تَبْسُطُ نُفُوذهُا ، تَصُوغُ سِيَاسَاتِهِ وَشَعَارَاتِه، تَضَعُ قَوَانِينَهُ وَ أَعْرَافَهُ رُبَّمَا مَخَافَةً لَا مَهَانَةُ . إنَّ أيَ دَعْوَةٍ تَحُدُّ الجَسَدَ هِيَ دَعْوَةٌ جِنْدَريَّةٌ فَاشِية تَبُثُ سُمَّها للنَّيل مِنَ الآخَرِ بِدَعْوَىٰ المَدَنِيَّةِ والتَّحَرُّرِ مِنَ القُيُودِ وَ الدِّينِ وَ الأعْرَافِ . وَ بِمَا أنَّ الجَسَدَ ثَقَافَةٌ وَ لُغَةٌ وَ أَيْدِيُولُوجِيَّة بِكُلِّ قِوَاهَا، وِعَاءٌ لِلْفِكْرِ وَ وَطَنٌ لِلرُّوحِ وَمُسْتَقَرُّ النَّفْسِ ، تَظَلُّ مَاهِيَتُهُ عَصِيَّةَ عَلَى التَّأطِيرِ فَكُلُّ مَا اكْتَسَبَ شَكْلاً أوْ قَالَبًا مَحْسُوسًا هُوَ جَسَدٌ. فَاللُّغَةُ جَسَدٌ وَكَيَانٌ لَهُ صُورَةٌ وَ مَعْنَی . وَإِنَّ مُحَاوَلَة زجّ المَرْأَةِ دَاخِلَ وِعَاءٍ لِلْمُتْعَةِ كَرَمْزٍ لِلْفِتْنَةِ إهَانَةٌ لِشَأْنِهَا وإنْقَاصٌ لِمَكَانَتِهَا وَعَبَثٌ بِعِفَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا، فَهِيَ رَحِمُ الحَيَاةِ وَدَيْمُومَتُهُ .فَلِأَيِّ جَسَدٍ حُرُمَاتٌ تُصَانُ ـ لَا رَمْز أُسْطُورِي ـ لِلْفِتْنَةِ وَالإغْوَاءِ. فَالجَسَدُ لُغَةٌ قَوْمِيَّةٌ لَهَا أَصَالَتُهَا وَ عَرَاقَتُهَا لَيْسَتْ مَبْتُورَةً أوْ مُنْشَقَّة . بَيَانٌ عِنِ الحَقِّ وَتِبْيَانٌ لِلْحَقّْ .
مُونُولُوج دَاخِلِي : “أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ كَانَتْ تَحْصُلُ أَمَامِي لَا أَجِدُ لَهَا تَفْسِيرًا، وَلَا أَفْهَمُهَا، غَرِيبَةٌ عَلَيَّ ” … ص 4 مُونُولُوج دَاخِلِيّْ ” مَا مَعْنَى حَامِلْ؟!! : قُلْتُ فِي نَفْسِي لَعَلَّهُ مَرَضٌ خَطِيرٌ جِدًا، أَوْ حَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَمُرُّ بِهَا المَرْأَةُ فِي مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلٍ عُمُرِهَا…” ص 7″
إِنَّ مِيلَادَ المَنْطِقِ وَالوَعْيَ بِهِ مَقْرُونٌ بِآَلِيَّةِ عَمَلِهِ، فَهُنَاكَ دَائِمًا مَا هُوَ فَوْقَ العَقْلِ وَ الحِسِّ وَالمَنْطِقِ ، لَكِنْ يُسْقِطُ العَقْلُ هَذِهِ المُدْخَلَات وَ يَتِمُّ التَّحَفُّظُ عَلَيْهَا وَ تَحْوِيلُهَا لَفَرَضِيَّاتٍ لِحِينِ إِثْبَاتِهَا أَوْ دَحْضِهَا. فَالأَمْرُ لَا يَرْتَبِطُ بَمَا هُوَ مُدْرَكٌ بِالحَوَاسّ ، فَالطِّفْلُ مَثَلًا لَدَيْهِ الادْرَاكُ الحِسِّيُّ ، لَكِنَّ عَقْلَهُ عَاجِزٌ عَنِ الفَهْمِ وَالاسْتِيعَابِ , فَالمَعْرِفَةُ لَا تَنْشَأُ عِنِ الحَوَاسِّ، فَالَّنارُ تُعْرَفُ بِفِعْلِهَا والأَدَبُ بِسُمُوِّ وَقْعِهِ فِي النُّفُوسِ. خَلِيطٌ مُتَجَانِسٌ بَيْنَ المَادِّيَّاتِ والمَعْنَويات ِوَ المَحْسُوسَاتِ. وَمَتَى اهْتَدَى الإنْسَانُ؛ لَمَسَ حَقِيقَتَهُ .
وَصْفْ وَتَحْلِيل الرَّوِاي لِشَخْصِيَّةِ أُمِّهِ“يَدْفَعُهَا الضَّيَاعُ إِلَى المَجْهُولِ الذِّي يَغْتَالُ فِي يَقِينِهَا كُلَّ المُحَاوَلَات، وَيَفْتَحُ لِلشَّرِّ كُلَّ الاحْتِمَالاتِ “ص 21
– مَا الذِّي يَدْفَعُ الإنْسَانَ لِلضَّيَاِع وَالمَجْهُولِ وَيَفْتَحُ لِلشَّرِّ احْتِمَالَات ؟ سُؤَالٌ يَغْتَالُ الفَرْدِيَّةَ أمَامَ سَطْوَةِ الحَيَاةِ وَقَسَاوَتِهَا، أَلَيْسَ البُعْدُ عَنِ الله سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ وَهَوَان , البُعْدُ عَنْ شَرِيعَتِهِ والاسْتِسْلاَمُ لِلنَّعَرَاتِ القَبَلِيَّةِ وَالغَزْوِ الثَّقَافِيِّ التِّي لَمْ نَسْتَقْدِمْ مِنْهُ الَّا الدَّنَاءَةَ وَخِسَّةَ النَّفْسِ وَإدْمَانَ القَنَوَاتِ وَ غِيَابَ الدَّوْرِ الأبَوِيِّ وَ التَّنْشِئَةَ الاجْتِمَاعِيَّةَ، فِي مُقَابِل، لَمْ تَعُدِ الأسْرَةُ الحِصْنَ الحَصِينَ وَلَا المَرْجِعَ الوَحِيدَ. . وَتَأتِي الأعْرَافُ بَعْدَ الدِّين، الحَاجِزُ المَنِيعُ بَيْنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَبِمَا أنَّ لِلأعْرَافِ سُلْطَةٌ في ضَبْطِ قِيَمِ المُجْتَمَعِ و ثَوَابِتِهِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهَا تُخَالِفُ الشَّرْعَ وَ تَكُونُ مَفْسَدَةً كَمَا الغَلَاءُ فِي المُهُورِ .
وَأَتَصَوَّرُ نَفْسِي فِي جَسَدٍ نَتِنٍ كَهَذِهِ الأَجْسَادُ التِّي دَنَّسَتِ الوُجُودَ، وَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْفُضَ ؟.ص 22
مِيلادُ صَرْخةِ الرَّفْضِ الأُولَى :تُولَدُ مَعَنَا مُنْذُ اللَّحْظَةِ الأولَى ، رَفْضًا لِمَا أَلِفْنَاهُ وَمَا اعْتَدْنَا عَلَيْهِ، وَخُرُوجُنَا مِنْ ضِيقِ الأرْحَامِ إِلَى رَحَابَةِ الكَوْنِ، فنَسْتَوْحِشُ مَا جَهِلْنَاهُ ، هِيَ فِطْرَةٌ بَشَرِيَّةٌ قَالَ – الرَّسُولُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صِيَاحُ المَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَان) رواه مسلم. فَيَصْرُخُ المَوْلُودُ مِنْ تِلْكَ الطَّعْنَةِ النَّافِذَةِ إلَى جَسَدِهِ .
صَرْخَةُ الرَّفْضِ الثَّانِيَةِ : انْسِلَاخُ الرُّوح ” لَمْ أَكُنْ أَتَوَقَّعُ أَنَّ الرُّوحَ تُسْلَخُ مِنَ الجَسَدِ…”
ص 21عَرَفْتُ لِمَاذَا سُمِّيَ الانْتِحَارُ جَرِيمَةً تُعَاقِبُ عَلَيْهَا كُلُّ التَّشْرِيعَات ، لِأَن الرُّوحَ لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ، وَأَصْبَحَتِ الآلاتُ هِيَ التِّي تَتَحَكَّمُ فِي الحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ فِي انْتِظَارِ كَلِمَةِ القَضَاءِ وَالقَدَرِ الأخِيرَة. ص 21
وَالانْتِحَارُ جُرْمٌ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ وَالأدْيَاِن، إنَّهُ تَعَدٍّ صَارِخٌ عَلَى النَّفْسِ، نَابِعٌ مِنْ حَالَاتِ اليَأْسِ وَاضْطِرَابَاتٍ شَخْصِيَّةٍ، وَرَفْضِ الحَيَاةِ، وَأرْوَاحٌ هَيْمَنَتِ الأحْزَانُ وَالاحْبَاطَاتُ عَلَيْهَا، وَحَطَّمَت حَالَاتُ الانْتِحَارِ أرْقَامًا قِيَاسِيَّةً عَالَمِيَّةً، ألا تُنَبِّؤُ العَالَمَ بِالخَطَرِ المُحتم لِلإنْسَانِيَّةِ الغَائِبَة، وَاحْتِواءِ رَغَبَاتِهِم وَ طُمُوحِهِم قَبْلَ أَنْ يَفْقِدُوا بَرِيقَ أمَلِهِمْ، وَتَنْطَفِئَ عُيُونُ الحَيَاةِ .نهاية العقدة الأولى // تصحيح مسار العلاقة
ويتبع –
ويتبع
الجزء الأول
رواية
[1 ]- مقولة الروائي الشهير تورغينيف "كلنا خرجنا من معطف غوغول". عن رواية المعطف
[2 ] رواية الشيخ و البحر لأرنست همنجواي - ترجمة زياد زكريا - دار الشرق العربي ص 9
[3 ] ترجمة قاموس المعاني النوفيلا
[4 ]قاموس المعاني - تعريف الرواية
[5] فقهية - قاموس المعاني
[6 ] هامش - وردت الصرخة في ثلاث مواضع
الأول قوله تعالى "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (قرآن سورة إبراهيم /22 )
الثاني قوله تعالى
الثالث قوله تعالى
الحزء الثاني
[1 ] بتصرف انظر الإطارُ النظريُّ – سيْكُولُوجيّةَ الأدب.
[ 2] انظر د. درويش الجندى: الرمزية فى الأدب العربى،ط نهضة مصر للطباعة والنشر القاهرة ص 102.
[3] الهاجس الشعوري – نسبة لنظرية كارل يونغ والتي تقابلها الدوافع الغريزية عند فرويد