زمنُ اللاحالَةِ
***********
* تَمّوزي السادس والثلاثون *
هأنذا أعود لأَدْراجِ الخَيْبَةِ المُخبِئةِ،أُفْتِشُ عَنْ حُلمٍ ضَالٍ فُقِدَ بَرِيقه، عَنْ صُورَةِ ذَلِكَ الجُنْدِيُّ الْمَجْهُول الَّذي لم ِيَستدل عَلَی هَوِيَته، ويظلّ شَاخِصاً لرِوايَته 
و رَمْزًا لَها .
عُدتُ لألْتَمسَ غفراناً وعفوا مِنْ شَغَفَ الكِتابة وجُنونَ القَلَمِ ، عن جُحودي وتَمَرَّدي وصُدُودي.
أُهَرْوِلُ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، بحثاً عَنْه. 
مُتعلقةً بِأَهْدابٍ الشَّوقِ الواهِيَةِ، مُستمسِكةً
بصَوْلَجان العِشْق و مُستأثِرةً بالذِكرَى وَحدَي.
كفرَاشةٍ بائِسةٍ، غَرَّرَ بِها جِناحَيْها.وهَمَّتْ بالطَّيرانِ .
وأَهَّلَها التَّحْلِيق بَعِيداً ، 
الكتابة عنه.
عَن تِلْكَ التي عَبثَتْ بالمسْتَحِيل ورَحَلتْ لاهثةً بين أَرْوِقَة النِّسْيَان ، تُفتشُ عَنْ زَمَنِها الْمُنْصَرِم ، 
حتی بَلَغَتْ ما بين الصَّدَى و المَدَى 
وفي دُموع ِالشَّفقِ ، رَسَمَ الوَدَاعُ قُبْلَتهُ الْأَخِيرَةِ.
مُتناسٍيةً، أنَّ الْحَياةَ مَواسمٌ وفُصولٌ
لأعودَ بزَمَنِ الانْتِظارِ لزَمَن الاعْتِكاف
لزَّائِرٍ ضَلّ وِجْهَتهُ و إلى أَنْ يَأْتِي دَوْرُه ،
في إسفارِ الليل وتباريحه ، 
أعودُ لنَفْسِي بنَفْسِي خِشيةَ أن أَيْقظها 
من غَفْوة الحلم الجَميل ،لأبقى على ذِمّةِ النُّورِ أثراً
لا يُمْحى .
كنَيْلُوفَر بَيْنَ تَمَوُّجَاتِ الأَثِير، يسْعَى مُلَبّيا ،فِي خُشُوعٍ ،علّ يُهْتَدَى جسد الكَلْمات.
ما أَقْسَى اِرْتِدَادَ الرُّوحِ للجسد !..
واِنْبِثاقُها عَنْهُ .
رُبَّما تَحْمِلُني الْكَلماتُ علی جِناحِ الريحِ، لَكن تظل بلا جهة أو صُنْدوقِ بريد ، مُجرَّدُ اِمتِلاءٍ باهِتْ بالتّفاصيلِ أسْهِبُ في وَصفِه . 
كل شَيْء سيّان فِي سَرَيانِ الحَياةِ إنْ قَطعتهُ قَطَعَك. وإنْ وَصَلَتهُ وَصَلَكَ . 
دُمتَ هِبةَ القَلبِ، و دَواته و أَرِيجَه الأَخضر الممتد .
كأَيَّة حياة ..
كحياةِ وَرقةٍ تَهْوى حياتها ،أشْفقتْ عَليها الْأرض مِنْ عُنفوانِ الريحِ وغُضْبَته ،لم تكن لتصمد أمام هزيزه 
أو تَأْمن صريره ..
رَحلتْ بوجلٍ . خِشيةً فِعْل الضّجر و المَلل. 
حَضَارَتُها الممتدة وَارِفة الظّلال ،
والمُحتَضِرةُ غَيمةٌ أَيْنَعَت قِطَافها مُتَأَهِّبةً لرحلة اللاعودة .
بِساطها المُتَجَدِّدُ سُطورٌ مِن بَهْجةِ الزّهور ، وعِطرٌ وكلمات .
كتاريخِ شَمْعةٍ مُتَّقِدةٍ في مَهبّ الرِّيح ،
ألِفَ عَتْمةَ اللَّيْلِ ،بخُموده،وخُفوتُه واِنْطفاءِ حماستهِ بين مَأْساته و ملهاتهِ .
وقتما كان كل هَمُّهِ يُكَافحَ للبقاءِ . 
ليتَ القومَ يعلمون 
أنَّ شُموخَ الهرمِ ليس استثناءَ الريح ، وتلك الحالةٌ المُسْتَعْصِيَةٌ ،لم تكن في الرَّفعِ و البِناءِ بلْ عَظَمةِ البَنَّاءِ. 
كل أُفعوانٍ على جدراك يستطيع أن يلهمهم 
حَضارةُ الألفِّ عام، وكلّ أُحْجيةِ تَمْنَحهم أعظمَ إكتشافٍ ، وكل مُفردةٍ آتون فكرًا
وكل آهة سرُّ مُحنطٌ مِنْ أسرارك
المقدسة
تُرددُ جنونَ سحرك في احْتضارِ الشّمسِ... إلاه .
وكل عَاصِمةٍ تَرتديها، تَحمل إليها النُّورَ والنَّارَ ، كليلةٍ بُهْر تَخْلقُ في أَعْينِها دهشةً وانبهارا.
وأنَّ صمتَك العابثَ ، و غليلَ حبك
شرِكُ كِبريَاءٍ و اِمتدادٌ لأُسْطورة نُقِشّتْ 
على مَشَارِفِ النيلِ وطناً من وفاء . 
صُورًا لم يَألفُوهَا وأبْجَديةً لم يَتَناقَلُوها و شَواردَ نوّرانيةٍ لا تُرى لها مَثيل،
وأجْملُ حِكايةِ عِشقٍ . 
وإنْ كُنا بأعْيُن الانتصارِ هَزِيمةٌ خَالدةٌ .
نَحنُّ بَنُو الخَيالِ نُقدِسُ أقَانِيمَةَ. 
الْألمِ والْأملِ و الْحلمِ 
وقد كنتُ على يَقينٍ أن نَصيبي من الحلمِ لَحَظاتٍ. 
عنْ أيّ ميلادٍ سأتَحدث
وحَظِي منك زمنَ الكتابةِ...
لقَدْ عَلّمتني الغَوصَ لا بالحياةِ، ولكن فيما بَعد الحياةِ وما بعد الحياةِ، لا مطرٌ، ولا رعدٌ ، و لابرقٌ . 
لا عيدٌ ولا أمنياتٌ عادتْ تؤرقُ وحدتي .
هَانِئةً تنعمُ بالسكونِ و السلامِ .

تم عمل هذا الموقع بواسطة