نفث دخان سيجارته عاليا محدثا غيمة سرعان ما تلاشت آثارها .. لاشيء من الأحداث تأتي من قبيل الصدفة 
اطفأ سيجارته قبل أن ينهيها ، ثم هشمها في المنفضة بعنف ، وكأنه اتخذ قرارا حاسما .. غرق في تفاصيل الحفل .. قطع شروده إتصال من حارسه الشخصي قال له : لقد اختفت آثارها بالقرب من الزعفرانة ،وفقدنا وفقدناها تماما ..ربما تسللت إلى السويس أو الصعيد .
هناك من يساعدها مباشرة وربما كان من أفرادالشرطة .
ولكن كن مطمئنا" أحمد بيك "سنجدها قريبا .
ساعات مرت وهو في عزلته .. أصرت أم حسن على قطع وحدته بفنجان قهوة عسى أن يجد فيه ملاذا .
لقد وجدته في حالة يرثى لها ، وكأنه الطفل الذي لم يكبر في داخلها ، كانت عاطفتها نحوه كعاطفة أم ترثي حال ابنها ، عندما رأت قميصه وجيبه يخرجان من بنطاله ، وها هو قد عاد الى احتساء الشراب كما كان من قبل ..
-أنت في حاجة إلى الراحة يا بني
- حالتها غير مستقرة (داده ) وقد سيطر تأنيب الضمير عليه لو لم أقتحم حياتها لظلت بمأمن...
كانت تنزف حتى فقدت الوعي ، ولم أستطع حمايتها وهي بين ذراعي .. لماذا يحصد الموت أحبابي ..لماذا يا داده ؟!
_أنه القدر يا بني ..ستتعافى وتعود بخير حال إن شاءالله، فسلم بأمره ، كانت كلمات أم حسن كالبلسم الشافي لقلبه ..ألهمه السكينة و الصبر على المعاناة والعذاب .
في المشفى ....
من خلف الزجاج جلس ساعات يراقب قدره ، وكأن خيالاته تجوب كل مفترقات الطرق .. لاهثة خلف المجهول ، ولا جديد تحت الشمس .. ربت الطبيب على كتفه مطمئنا ..حالتها مستقرة الآن .
أستطيع نقلها إلى القاهرة لتتلقى أفضل عناية ..
بدت علامات الهدوء على الطبيب ..واستطرد قائلا : لن يقدموا أفضل مما قدمنا ، هي مسألة وقت .
خلال أيام بدأت أستعيد عافيتي ، دخل أحمد بعدما تم نقلي لغرفة خاصة و الدموع تلألأ في عينيه ..أكاد ألمح قلقه حين استسلمت للنوم مجددا ، وعندما استيقظت كان النور ينفذ من الستائر البيضاء لعتمتي .
- الأميرة النائمة هل تحتاجين قبلة لايقاظك .
- ابتسمت وقد أحاط الصمت بي ..حاولت استعادة الأحداث ذاك اليوم .
كان الفضول يأكلني وتعض الحسرة قلبي ، غير أني لم أثر فضوله بأسئلتي فتابع حديثه
- يخيل لها أني أغتلت أحلامها...
ظل أحمد طيلة ساعتين يسرد ذكرياته المريرة حتى أرهقني حديثه وبت غير قادرة على الاستيعاب المزيد من الألم ..
كيف توغلت في حياته وقلبتها رأسا على عقب .. لم أكن لأستثنيه ،فلولا أن سمح لها ما تمكنت منه ، لا أشفق عليه لكني أتعاطف معه.
ثم تابع
- لا أنكر حبي لها في بادئ الأمر وثقتي المطلقة ، ولكن حين اكتشفت أنها ذريعة للايقاع بي بدأ ابتزازي من خلالها ....
على ما يبدو أني من ذوات الحظ السيء ..هكذا حدثت نفسي .
- ولم أطلقت الرصاص علي؟!
- لم تقصدك ، أرادت أن تنتقم مني أنا
- أو ربما قتلتها الغيرة نتيجة وجودي الى جانبك فقررت أن تقتلني أليس كذلك ؟؟
ارتسمت على وجهه ملامح الأسف ، ثم همس : أنا آسف لإقحامك في مثل هذه الأمور .
كان أحمد يتصبب عرقا وأنا ألعب دور المحقق في البحث عن تفاصيل ومجريات القضية .. ورغم معرفة الأسباب لا زال الجاني مجهولا ، في حين وجدوا المسدس ملقىً علي الجانب الآخر لموقع بسمة
بت أجزم أن تكون هي الفاعلة ، كيف لامرأة مثلها أن تفعل هذا !!.
بعد أيام قليلة عدت إلى بيتي كانت نجاتي معجزة بعدما أوصلني أحمد ، ملأني الشوق ..لقد اعتدت وجوده حولي ..أشتاق اليه كأول لحظة ، وأتلهف للقائه .
دخلت هند (احم احم ) نحن هنا ... أيقظتني من نشوة الحلم الجميل
- من يأخذ عقلك ؟!
هند لا تغافليني مرة ثانية ، وهيا اطلعيني على مجريات العمل في الشركة ..لقد سئمت السرير كيف تسير الأمور ؟؟
- على أتم وجه يا روحي
هذه التقارير وبعض الأوراق هل بامكانك مراجعتها وتوقيعها ؟؟
كالشمس مشرقة الوجه ..شعرت وكأني فقدتها لبرهة من الزمن
كل السعادة أن يمنحك الرب رفيقا يكون لك سندا قويا يشد من أزرك .
لأول مرة تعتذر عن دعوتي للغداء حرصا منها على راحتي ، فقبلت اعتذرها .
حاولت أن أراجع الأوراق التي باتت عصية على القراءة لقد سرقني كلي ولا سبيل لاستراد نفسي الآن .
توالت زيارات أحمد حتى جاءني في كامل أناقته يحمل بيده أجمل باقة ورد رأيتها في حياتي أو كما خيل لي .
- سيدة الورد كيف حالك ؟!
كانت لباقته تجردني من كل شيء ، وأظن أنه ألقى علي بعضا من سحره كانت رؤياه تستدرجني إلى نشوة من الهيام
- أنا بخير دمت بالخير ..
كانت نظراته تهرب من مواجهتي ، دققت فِي ملامح وجهه ،كمن يتعمد قراءةطالعه، و عبق فنجان يلهب صدري بحرارته ، فليتصق بقلبي محدثا تنهيداته . قطعت شرودي كلماته
ملك : سأسافر الى الغردقة ..لدي بعض الأعمال وأخشى أن تتهميني بالتقصير
- لا مطلقا استمتع بوقتك أتمنى لك التوفيق
في المطار
*****
كان أحمد مقبلا على سلسلة جديدة من الشراكات فهو بحاجة لجلب مزيد من الاستثمارات ،
وكان عليه أن يتهيأ للسفر إلى لندن لعقد صفقات تدر اليه مزيدا من الربح .
كانت مقابلة ممثلة الشركة الأجنبية أمرا حتميا وضروريا خاصة بعد فترة الركود التي عانت منها ،القرى السياحية و المنتجعات.
في مطار الغردقة وحسب الموعد المحدد تقابلا
سيدة قمحية البشرة ذات عينان لازوديتان و شعر مجعد ذهبي ، تستطيع بجمالها أن تغري الحوت الأزرق والقروش وجميع أسماك البحر الأحمر دون أن يمسها سوء ، تعشق مصر منذ نعومة أظفارها ، و يغريها الغوص إلى الشعاب المرجانية لساعات دون كلل تحت الماء ..سيدة من الطراز الأوروبي الاستثنائي..
اقتربت من أحمد طبعت على شفتيه قبلة خاطفة، تراوده ، وكأي موجة عابرة، متجاهلا عواطفها الجياشة .
رد بتبلد قاتلا : ينبغي علينا الذهاب..

تم عمل هذا الموقع بواسطة