الرَّقْص على أوتار النِيفيلا : هويدا عبد العزيز
******************
الجزء الأول
كان اللقاء أغرب من الخيال حين ينسج الحزن شباكه على جدار القلب ، فيصبح الوجع جلاء تكتحل به الأيام ، ويصير الأمل فريسة سهلة ينقض عليها، ويلتهمها حتى الرفات ..ثم لا تضمد جراحها .
ما زلت أجرجر خيبة الأمل من صدمة زواجي ، فلم أنل منه غير إحساس المقت والاشمئزاز ، وقد انسحب الشعور على كل الرجال، وكيف افتقرت الى الحكمة ، وخدعتني الحواس ، وغررت بي .
" هذه ليست نهاية العالم ..تماسكي ، وتغلبي على أمرك " ..هكذا حدثتني نفسي .
في أغلب الحالاتِ يُخَيل للآخرين أن المرأة المتألمة هي امرأة مَغلوبةٍ على أَمرها إلا أنها تتوهج ، فانكسارُ الضوء لا يعيقها بل يحولها من وسط إلى آخر ، و من مرحلة لأخرى .
وهذا سر لا أخفيه عليكم فوراء كل اِنْتِكاسَة نهضة تليق بها.. لا تعلن بعدها الحداد أبدا
ولا تعد ملهاة لرجل خيب ظنها ، ولن يرضيها رجل حتى يجعل المستحيل أمام عينها ممكنا.
أمام هذا الشعورُ بالألم كان علي أن أبني لنفسي عالما ،
يمَلأ فَرَاغي القاتل بالعمل المتواصل .
وأين أنا من شركتي؟!
لطالما كانت (ملك ) كريمة ، حاذقة ومثابرة .. لم يعرفها أحد إلا وتمنى قربها أو مجالستها ، فهي على منوال أبيها نسجت طموحها بعناية ، فلم تذهب أعماله سدى ، إلا أنها الأقدار ، فقد تسلم خالها زمام الأمور بعده ، وكان يحبها و يدللها كثيرا ..تذكرت يوم وقف من زواجها حذرا و كان حينئذٍ صادق في حدسه ، فأراح ضميره ..وأي حذر مع القدر !! .
في الصباح شحنتُ طاقتي ، وتهيأت بكل أناقتي للذهاب الى الشركة وقد وعدتني صديقتي (هند ) أن تمر بي وتأخذني في طريقها بسيارتها
..دخلت مبتسمة على خالي مكتبه ، وقلت : هل تدعوني لفنجان من القهوة ؟
نظر إلى وقال : ملك حبيبتي : أمستعدة أنت ؟
- كل الاستعداد
- سيبدأ الاجتماع بعد نصف ساعة .
عُقد الاجتماع في أجواءٍ متوتِّرة ، لكن بمهاراتي في القيادة وبراعتي
في قراءة الوجوه عادت الطمأنينة إلى قلوبهم .
استجمعتُ شجاعتي وأفكاري و ركَّزتها لأمتلك زمام الأمر و الإدارة
كي تظل في يدي ، فأعضاء مجلس الۨإدارة جديرون بالثقة من سنوات ولكنني أريدها .
تابعت حديثي قائلة : إنني أحب أن أتعرف عما في قلوبكم ، وكيف تحسون ، وليس فقط على أسمائكم ، وكيف تعملون .
بعد الاجتماع انجَلت الغشاوة عَنْ ناظري وأصبحت أرى الأمور كما هي بشكل أوضح وزال اللبس و التعقيد .
عَلَى مَرِّ السِّنِينَ اجتزتُ الصعاب أيسرها وأصعبها حتى بعد وفاة خالي ..
كنت قد أدرتُ الشركة بنفس الكفاءة وأكثر .
رفعتُ سماعة الهاتف :
-صباح الخير (يابشمهندس ) .. أريدك أن تحضر فورا الى مكتبي
..وقف أمامي متشنجاً
ـ ما أخبار مناقصة البحر الأحمر ؟
أجاب بصوت متوتر (وقد بدا متضايقا )
_ سيتنافس معنا البندري
ـ وما توقعك ؟! ...
- سيقاتل لأجل الفوز بها
لأنه يريد أن يوسع قريته بخليج مكادي ،ولقد حاولت التحدث معه لكن كل محاولاتي بَاءتْ بِالفَشَلِ .
ـ أي محاولة من طرفنا يابشمهندس ستكون غير مجدية ..فهي مسألة حياة بالنسبة له .
أحضر لي شروط العقود و الأمركله بيد لله .
- مَنْ يُسافر للغردقة ؟!
هِند متسرعة : مبارك ملك، حصلنا على مناقصة جنوب الوادي لتوزيع الكهرباء .
ملك : الحمد لله والفضل له
- أنت مديرة المشروع والمهندسة التنفيذية وتستحقين عزيزتي .
ـ يابشمهندس أعدت السؤال ؟
- تعلمين ملك بموعد فرح أختي ولن أ ستطيع السفر ، أجل لا عليك احجز لي تذكرة ذهاب وعودة .
في المطار كان الإزدحام شديدا ما أصابني بالضجر لقد اعتدت الهدوء وازدحمتْ مخيلتي بالصور.
من العبث أن أتنبأ بما أفكر فيه ، أو أتوقع شيئا مقدمة عليه.
أفقتُ من شرودي على يد تهزني
_تشردين كثيرا ؟!
ـ عفوا ...هل سبق وتعارفنا
_ نداء الرحلة يا سيدتي
ـ شكرا لك على التنييه
في الطائرة جلستُ على الكرسي محاولة أن أغمض عيناي
كما أنني لم أنس معاناتي من فوبيا التحليق في السماء ، فبدأت تمارين التنفس دون أن يلاحظ أحد ، حتى كدت أن أسقط لولا أن الرجل أسندني
_ أراك تخافين الطيران ،
- بقدر الارتفاع يكون السقوط
- أنت متشائمة جدا
- بل واقعية جدا يا سيدي
_ أنا ملك : تشرفت بك
_ أنا أحمد : الشرف لي .
انْتَهَتْ الرحلة خِلاَل ساعة ،وسَار كل منا في طريقه .
في الصباح توجهتُ للإدارة العامة، وقدمتُ المَظْرُوف لحين عقد جلسة فتح المظاريف
عدتُ للمارين ....
تنفَّستُ الصُّعَداءَ لأول مرة .
في شُرْفة الفُنْدُق تلأْلأَ وجهي فَرَحة بهذا الجمال .
غرقت في زرقة البحر..المياه الصافية ، و الرمال البيضاء
فكرت بالسير إلى الشاطئ
وحين اقتربت كان التعب قد حل بي ، لكن رائحة اليود ألهبت الوجدان وشيء دعاني للكتابة ....
كيف تقاوم بنات البَحر هذا الرَذاذ اليودي دون أن تمخر عبابه وتكبح خيالاته ، إنه لعشق من عالم آخر .
تمددت على أقرب (شازلونج) وطلبت قهوتي السوداء
على غير انتظار، لمحت ظله يباغتني
- اِنْتَظِرْ هُنَيْهَة يتفحصُني
هامسا : كيف يسمح البحر بأن تخرج إحدى حورياته؟
- أليستْ مبالغة منكَ ؟!!
- ماذا تفعل هنا ؟..أجاب : هو العمل يا سيدتي
كانت (ملك ) تمثل الأُنْوثَة في أسمى معانيها ..ملامحها كالنور، حركاتها كالفراشة رشيقة ، خطواتها محسوبة ،ولم تتصنع يوما لطفها ، فقد صاحبها منذ الطفولة
ِ " متی ألهبتْ قلبه وأشتعلت برقتها الوله "
- أرجو ألا أكون أزعجتكِ ؟
- أراكَ تصدرُ الأحكام دون معرفة مسبقة .
رقّ قَلبُها للطفه فلم تستطع أن تقابله بفَظَاظَة أو تستاء من كلامه .
- هل تقبلين دعوة العشاء في المطعم العام ؟
سأنتظركِ الساعة الثامنة .
لم ينتظر الموافقة مما أفقدي توازني .
ما أشد غرابة سلوك هذا الرجل ! ما أقتحم أحد حياتي بمثل هذه الجرأة .
في المساء ارتديتُ فُستانا أسودا من الدانتيل الفرنسي ووضعتُ القليل من مساحيقِ الزينةِ .....
حين وصلتُ لصالةِ الانتظارِ ، قابلني بابتسامة عريضة ، وكأنه على موعد مع الحب
همس في أذني : أنتِ فُاتنة المساءِ .
وما أن جلسنا إلى الطاولة حتى دعاني للرقص على أوتار رومانسية هادئة
كانت لحظات دافئة تشابكت فيها
المصالح بحيث لم أدر ما أنا مقبلة عليه .
قاطع الرقصة مدير المطعم
- يسعدنا اليوم أن نهنئ السيد أحمد بَيك البندري
بعيد ميلاده .
كان الجميع يصفق بحرارة ، فلم أع الاسم إلا والميكروفون بيده يشكرهم ،وقد تسارعت ضربات قلبي وتغيرت ملامحي ، شعرت بالاحراج ،فتسَمَّرَتُ فِي مَكَانِي ولم أشعر سوى بيده تقبض على معصمي
عم المكان الفوضى ....
وفي لحظة لمحت تلك الفتاة الشقراء تخرج مسرعة
وأحمد يتوعدها بنظراته و يشير للحرس باتباعها فاختل توازني وسقطت فاقدة الوعي ...
..........

نفث دخان سيجارته عاليا محدثا غيمة سرعان ما تلاشت آثارها .. لاشيء من الأحداث تأتي من قبيل الصدفة
اطفأ سيجارته قبل أن ينهيها ، ثم هشمها في المنفضة بعنف ، وكأنه اتخذ قرارا حاسما .. غرق في تفاصيل الحفل .. قطع شروده إتصال من حارسه الشخصي قال له : لقد اختفت آثارها بالقرب من الزعفرانة ،وفقدنا وفقدناها تماما ..ربما تسللت إلى السويس أو الصعيد .
هناك من يساعدها مباشرة وربما كان من أفرادالشرطة .
ولكن كن مطمئنا" أحمد بيك "سنجدها قريبا .
ساعات مرت وهو في عزلته .. أصرت أم حسن على قطع وحدته بفنجان قهوة عسى أن يجد فيه ملاذا .
لقد وجدته في حالة يرثى لها ، وكأنه الطفل الذي لم يكبر في داخلها ، كانت عاطفتها نحوه كعاطفة أم ترثي حال ابنها ، عندما رأت قميصه وجيبه يخرجان من بنطاله ، وها هو قد عاد الى احتساء الشراب كما كان من قبل ..
-أنت في حاجة إلى الراحة يا بني
- حالتها غير مستقرة (داده ) وقد سيطر تأنيب الضمير عليه لو لم أقتحم حياتها لظلت بمأمن...
كانت تنزف حتى فقدت الوعي ، ولم أستطع حمايتها وهي بين ذراعي .. لماذا يحصد الموت أحبابي ..لماذا يا داده ؟!
_أنه القدر يا بني ..ستتعافى وتعود بخير حال إن شاءالله، فسلم بأمره ، كانت كلمات أم حسن كالبلسم الشافي لقلبه ..ألهمه السكينة و الصبر على المعاناة والعذاب .
في المشفى ....
من خلف الزجاج جلس ساعات يراقب قدره ، وكأن خيالاته تجوب كل مفترقات الطرق .. لاهثة خلف المجهول ، ولا جديد تحت الشمس .. ربت الطبيب على كتفه مطمئنا ..حالتها مستقرة الآن .
أستطيع نقلها إلى القاهرة لتتلقى أفضل عناية ..
بدت علامات الهدوء على الطبيب ..واستطرد قائلا : لن يقدموا أفضل مما قدمنا ، هي مسألة وقت .
خلال أيام بدأت أستعيد عافيتي ، دخل أحمد بعدما تم نقلي لغرفة خاصة و الدموع تلألأ في عينيه ..أكاد ألمح قلقه حين استسلمت للنوم مجددا ، وعندما استيقظت كان النور ينفذ من الستائر البيضاء لعتمتي .
- الأميرة النائمة هل تحتاجين قبلة لايقاظك .
- ابتسمت وقد أحاط الصمت بي ..حاولت استعادة الأحداث ذاك اليوم .
كان الفضول يأكلني وتعض الحسرة قلبي ، غير أني لم أثر فضوله بأسئلتي فتابع حديثه
- يخيل لها أني أغتلت أحلامها...
ظل أحمد طيلة ساعتين يسرد ذكرياته المريرة حتى أرهقني حديثه وبت غير قادرة على الاستيعاب المزيد من الألم ..
كيف توغلت في حياته وقلبتها رأسا على عقب .. لم أكن لأستثنيه ،فلولا أن سمح لها ما تمكنت منه ، لا أشفق عليه لكني أتعاطف معه.
ثم تابع
- لا أنكر حبي لها في بادئ الأمر وثقتي المطلقة ، ولكن حين اكتشفت أنها ذريعة للايقاع بي بدأ ابتزازي من خلالها ....
على ما يبدو أني من ذوات الحظ السيء ..هكذا حدثت نفسي .
- ولم أطلقت الرصاص علي؟!
- لم تقصدك ، أرادت أن تنتقم مني أنا
- أو ربما قتلتها الغيرة نتيجة وجودي الى جانبك فقررت أن تقتلني أليس كذلك ؟؟
ارتسمت على وجهه ملامح الأسف ، ثم همس : أنا آسف لإقحامك في مثل هذه الأمور .
كان أحمد يتصبب عرقا وأنا ألعب دور المحقق في البحث عن تفاصيل ومجريات القضية .. ورغم معرفة الأسباب لا زال الجاني مجهولا ، في حين وجدوا المسدس ملقىً علي الجانب الآخر لموقع بسمة
بت أجزم أن تكون هي الفاعلة ، كيف لامرأة مثلها أن تفعل هذا !!.
بعد أيام قليلة عدت إلى بيتي كانت نجاتي معجزة بعدما أوصلني أحمد ، ملأني الشوق ..لقد اعتدت وجوده حولي ..أشتاق اليه كأول لحظة ، وأتلهف للقائه .
دخلت هند (احم احم ) نحن هنا ... أيقظتني من نشوة الحلم الجميل
- من يأخذ عقلك ؟!
هند لا تغافليني مرة ثانية ، وهيا اطلعيني على مجريات العمل في الشركة ..لقد سئمت السرير كيف تسير الأمور ؟؟
- على أتم وجه يا روحي
هذه التقارير وبعض الأوراق هل بامكانك مراجعتها وتوقيعها ؟؟
كالشمس مشرقة الوجه ..شعرت وكأني فقدتها لبرهة من الزمن
كل السعادة أن يمنحك الرب رفيقا يكون لك سندا قويا يشد من أزرك .
لأول مرة تعتذر عن دعوتي للغداء حرصا منها على راحتي ، فقبلت اعتذرها .
حاولت أن أراجع الأوراق التي باتت عصية على القراءة لقد سرقني كلي ولا سبيل لاستراد نفسي الآن .
توالت زيارات أحمد حتى جاءني في كامل أناقته يحمل بيده أجمل باقة ورد رأيتها في حياتي أو كما خيل لي .
- سيدة الورد كيف حالك ؟!
كانت لباقته تجردني من كل شيء ، وأظن أنه ألقى علي بعضا من سحره كانت رؤياه تستدرجني إلى نشوة من الهيام
- أنا بخير دمت بالخير ..
كانت نظراته تهرب من مواجهتي ، دققت فِي ملامح وجهه ،كمن يتعمد قراءةطالعه، و عبق فنجان يلهب صدري بحرارته ، فليتصق بقلبي محدثا تنهيداته . قطعت شرودي كلماته
ملك : سأسافر الى الغردقة ..لدي بعض الأعمال وأخشى أن تتهميني بالتقصير
- لا مطلقا استمتع بوقتك أتمنى لك التوفيق
(في المطار )
كان أحمد مقبلا على سلسلة جديدة من الشراكات فهو بحاجة لجلب مزيد من الاستثمارات ،
وكان عليه أن يتهيأ للسفر إلى لندن لعقد صفقات تدر اليه مزيدا من الربح .
كانت مقابلة ممثلة الشركة الأجنبية أمرا حتميا وضروريا خاصة بعد فترة الركود التي عانت منها ،القرى السياحية و المنتجعات.
في مطار الغردقة وحسب الموعد المحدد تقابلا
سيدة قمحية البشرة ذات عينان لازوديتان و شعر مجعد ذهبي ، تستطيع بجمالها أن تغري الحوت الأزرق والقروش وجميع أسماك البحر الأحمر دون أن يمسها سوء ، تعشق مصر منذ نعومة أظفارها ، و يغريها الغوص إلى الشعاب المرجانية لساعات دون كلل تحت الماء ..سيدة من الطراز الأوروبي الاستثنائي..
اقتربت من أحمد طبعت على شفتيه قبلة خاطفة، تراوده ، وكأي موجة عابرة، متجاهلا عواطفها الجياشة .
رد بتبلد قاتلا : ينبغي علينا الذهاب..
بطريقة ما ...
ما أن ترغب غلق عينيك وتمنح قلبك تأشيرة خروج ، حتى يلاحقك شبح الماضي ويثير فيك شيئا من الذعر والتوجس ؟!
ماذا لو تكررت المأساة ؟!
هل حقا يعيد التاريخ نفسه ؟!
أو من الممكن أن يهديك القدر ملاذا آمنا
تجد فيه روحا تكملك عوضا عن تلك الآلام التي صادفتها في حياتك .
أحيانا يبث الحب فينا شيئا من جنون الارتياب، الشك ، الصراع و العظمة ...
لنتساءل ما الذنب الذي اقترفناه؟
هل هو الثقة !!
متى منحت الأمنيات سحبها دون أن تحطم داخلنا أشياء ...
هل التجارب تصنعنا أم نحن من نصنع التجارب ؟!
ثم نفسرها وفق آليات و معايير وقيم وتقاليد وأعراف .
كيف جئت لهذا القلب ومتى ؟!
و على أي هيئة بعثت من سراديب جنونك ؟!
زهر ، طير ، ريح ، جثث محنطة ،شهيق بحر ، أم زفير كلمات .
أشعر وكأني مقسمة لنصفين ، وكل نصف يشير إلى الآخر ، وأحيانا يفتش عنه
لاقدرة لي على الحب او الكراهية ، أنا منتصف الأشياء..
نقطة تخرج منك وتدور حولك ..وحيدة و وليدة في آن واحد
أتساءل كيف تكون الأزهار بلا لون يوحدها ، أوعطر يجسدها ، كالنور للعين ؟؟..أراك تقودني في أحلك الظروف وأقساها .
مخيف ذلك السجن الذي جمعنا وقد أحكم وثاقنا ولم يحررنا من قيوده
أجل أخاف ..
عن كل حلم لم نستعد له فكان سرابا و وهما ، وكل معركة خضناها دون وعي خسارة، وكل دمعة فاضت بصفائها ندم ، على من لا يستحق ، أجل أخاف ..لا من عدوي .. أخاف الأحلام وأخاف من حياة لا موت فيها أخاف أن نكون أجنة في لحظة ميلاد حب برحم عقيم .
فقط أريد أن أغمض عيني وأنسى ...
أخرجني من شرودي إتصاله :
ملك : أحتاج اليك
لقد انتهى كل شيء بيننا ..لا تحاول الاتصال مرة أخرى .كان مجرد التفكير بوجوده يرعبني ويزج بي في دهاليزه الألم .. كيف يجرؤ ؟! ..
******
مازالت تلك الفاتنة تنفث سمومها في أحمد ، وكلما حاولت كان يزيد من إصراره على عدم تقبلها ، حتى بدأ يتهرب منها لولا العمل ...
- أشتاق اليك أحمد ، لقد غيرتك كثيرا ؟!
معذرة عمن تتحدثين ؟!
إنه الحب ...الذي يقتلعك ممن هم حولك ..
انت موجود بالجسد ..أما تلك الروح فرحلت ولم تعد... ألست صديقتك ومن حقي مصارحتك ؟!!
قاطعها : لدي بعض الأعمال ؟
احتفظي بصراحتك لنفسك ؟!
فتحت الحاسوب الخاص بها وفي غرفة الشات :
لا أعرف كيف استمالته سيدي:
على ما يبدو أنه وقع شركها ...
لك الحرية ..الأهم أنه رجلنا في الشرق الأوسط وينبغي أن يظل تحت اعيننا .
******
أجمل خدعة يليقها عليك القدر هي الأمل ، كم أعشق النظر للأطفال ،بعضهم ينضج مع حرارة الأيام ، وقسوتها
في الجراج ..
- ملك لقد سألت عنك لكنهم لم يسمحوا لي بزيارتك...
تلك الزهرة البرية كانت تستدرجني براءتها وكأنها تحمل نقائي أينما حلت ، حل السلام ...
- أنا معك دائما وردتي ...
عم محمود عامل الجراج في الخمسين من عمره معطاء،طيب ، ذو خلق ..يتغاضى عن الكثير من سفاسف الأمور ، ويترفع عن الكثير ، بالرغم مما يعانيه تجده يزرع البسمة حوله
كان يحبني بمقدار حبي للدنيا وعشقي لها ،ماتت زوجته بعد ولادة دنيا ، بسبب عجزه عن تحمل نفقات علاجها . جاء من قريته يحمل الأسى وما حصد من المدن إلا مزيد من الأسى .
- عم محمود : هل تسمح لدنيا بقضاء اليوم معي ؟
- هل تطلبين بنتي ملك؟ أنت تأمرين والجميع ينفذ؟! ركبت السيارة وابتعنا الكثير من الملابس كانت الفرحة لا تسعها ثم ذهبنا إلى الملاهي..
ملك : أريد آيس كريم ..
حقا و " مانجو " أيضا أعرف أنها النكهة المفضلة ..
نزلت من السيارة وعند عودتي كانت قد اختفت ...
تلفت يمينا ويسارا ، الكورنيش أمامي والزحام يخنقني بحثت عنها كثيرا أجري كالمجنونة هنا وهناك ولا جدوى ..
عدت للجراج صارخة:
عم محمود هل عادت دنيا ؟؟ ..لقد تركتني وذهبت كان جوابه بالنفي كالسيف الذي غمد في قلبي .
كان يطمئني بالرغم من علامات القلق ، ولم يعنفني ، لكن حدسي أمسى يخبرني بمصيبة في طريقها إلي.
توجهت إلى مديرية الأمن في تواً ..لم يبق لي سواه .
- هل من الممكن ان أقابل المقدم هشام ؟!
أعتذر سيدتي هو في غرفة التحقيق ..
أخبره أن المهندسة ملك تريد مقابلته فضلا .
دخل و خرج أمامه هشام والقلق على وجهه ، ملك تفضلي..
د خلنا المكتب وأحكم أغلاق الباب من الداخل
قهوتك مظبوطة ؟؟
هشام هناك مشكلة وليس لي سواك من يحلها .
لقد اتصلت بك أمس وقد عنفتني وأغلقت الهاتف في وجهي .
هشام مارأيك أن نطوي صفحة الماضي ولا نعيد الحديث فيه .. نحن أرقى من هذا ..تقبل فكرة انفصالنا .
دنيا مختفية كانت تركب معي السيارة ولم أجدها
منذ متى ؟!
منذ الثانية ظهرا والآن هي السادسة ولا اخبار عنها ...
لابد ان تمر ثمان وأربعون ساعة لنقول انها حادثة اختطاف .. تعلمين القوانين
لن انتظر .. تصرف الآن ، وإلا لم جئت اليك لو كان علي الانتظار.