َ
ميرُ البَيانِ ـ الأميرُ شِكيبُ أرسلان : بقلم. هويده عبد العزيز ـ
مصر (25 ديسمبر 1869 – 9 ديسمبر 1946)
رَثَاهُ ( جبران خليل جبران ) فِي قَصِيدته // طَفِيءَ الصَّبَاحُ بَعَيْنِيَ الإِلهَامِ
أَشَكِيبُ حَسْبُ المَجْدِ مَا بُلِّغْتُهُ شَرْقاً وَغَرْباً مِنْ جَلِيلِ مَقَامِ
فِي كُلِّ قُطْرٍ لِلعُرُوبَةِ خُلِّدَتْ ذِكْرَاكَ بِالإِكْبَارِ وَالإِعْظَامِ
كَانَتْ حَيَاتُكَ دَارَ حَرْبٍ جُزْتَهَا فَاسْتَقْبِلِ النُّعْمَى بِدَارِ سَلامِ.
فِي التَّاسعِ مِنَ كانون الثَّاني \ دِيسَمبر عام (1946) رَحَلَ عَنْ عَالمنا الأميرِ الدرزيِّ “شكيب أرسلان” قطبٌ من أَقطابِ السَّياسَةِ العَربيةِ وعَلمّ مِنَ أعلامِ الاصلاحِ السِّياسي وَ أشدُ دُعاةَ الوحدةِ الإسلاميةِ وأَحدُ دُعَامَاتها، المُلقبُ بأمَيرِ البيانِ و شَيخُ الأدبِ العربيِّ. مُفكرٌ غَزيرٌ الانْتَاجِ ، شَاعرٌ مَحبوبٌ مُهَابٌ، وقَلمٌ حَصِيفٌ نافذٌ للقلوبِ والعُقولِ ، كَاتبٌ رائجٌ الدِّيباجةِ، رَشِيق اللَّفظ، غَنيّ الْعِبَارةِ، مَتينَ التَّعبير، بَارِعَ التُّصرفِ فَي مَذَاهبِ الكَلامِ، يَضِيقُ بالشُّعُوبِية وأهلُها التِّي اِتخذتْ مِنَ الآدابِ ذَرِيعَة لبَثِّ سُمُومها وَ يَراهَا حَركةً تَخريبيةً هَوْجاءَ لمَدَنيّةِ العَربِ.
وُلِدَ ” بقريةِ الشّويفَاتِ ” الجَبليةِ التي اِسْتَوْطَنَها الدُّروزَ المُوحدِين، جَانب الأقَليةِ المسيحية و كَلمة “الشوف” كلمة آرامية مـعرّبـة مَعناهَا الــمَكانُ المرتفعُ، والشِّيفةُ هُم طَلائعُ القَومِ الذّينَ يشرفون على القوافلِ و إِتِّخَذت الشويفات نقطة مركزية بَينَ بَيْروت والجَنوبِ والجَبل والضاحيةِ . [١ ]
فهو سَلِيلُ سُؤْدَد القوم، عَظيم الشَّأن و الوَجاهَة، تَضربُ جُذورهُ الأُسَريةِ أعماقَ التاريخِ، وتَحظىٰ بالشَرفِ النَبيلِ والمَجدِ التَليد ؛ جدّهُ الأكبر ” الأميرُ عَون” مِمَّا اشتركوا معَ الصحابيِّ الجليلِ “خالد بن الوليد” في فُتوحِ الشّامِ. أما أمّه وزَوْجُه فكانتا سيِّدتين فاضلتين ذَواتًا أُصًولٍ شَركسيةٍ *
شَغَفَ الأمَيرُ مُنْذُ نُعومَةِ أَظْفارِهُ باللُّغةِ العربيَّةِ و تَعَلَّمَ مُتُونها ونَاضلَ منَ أجلِّها، فكان مولعًا بتَمجِيدِ العَربِ ومعتزًا بعُروبته ويُعدُّ من أَشَدّ المفكرين جُرْأَة و حَمِيَّة لهُوِيَّته الإِسْلامِيَّة واِعتُبرَ اللُّغةَ العَربيّةَ الإرْثَ القَوِيمِ والتَّكْوينَ النَّفيسِ الذي تُقوِّمُ بِها الألسن و تُزيلُ اعْوِجَاجها و تسْتَنِدُ إليها الثَّقَافَة و ترْتَكَز عَليها مَناهلِ الثقافةِ والأدبِ. وتُخرجُها مِنَ حيزِ العَدَمِ إلىٰ رِحابةِ الوُجُودِ .
كمَا أجادَ جَانب اللُّغة العربيَّة من اللغاتِ التُّركيةِ والفِرنسيةِ والألمَانيةِ. وكان مِمَّنْ تأثَّرَ بهم في حَداثَتِه مُعلّمه الشَّيخ ” عبد الله البستاني ” الذي تَتَلمذَ علىٰ يَدهِ و اِقتدىٰ به في مَدرسةِ الحكمةِ المَارُونية 1886 م . ثُمَّ التقی بالإمام “محمد عبده ” وتأَثرَ بِه تأثُّرا شَديدًا ، إثْر نَفْيهِ إلى بَيروت إبانَ الثّورةِ العُرابيّةِ ( 1882).
تَبَوَّأَ “الأمير شكيب” العَدِيد من المَناصِبِ و الرُتِبِ منها
تَوَلَّىٰ مديريةَ الشّويفاتِ والشّوف ، ثُمَّ نائبٌ في مَجلسِ المَبعُوثَانِ العُثمانيّ الذي أسَسَهُ السُّلطان عبد الحميد ” لكنّهُ لَمْ يَدُمْ طويلا فحلّتْ رابطتهُ (1908).
[٢] فعُيّنَ مُفَتِّشا لجمعية الْهِلَال الأَحْمَر وسَافرَ علىٰ أَثَرِهِ مِنَ مِصر إلىٰ طَرَابلُس لمساعدةِ المُجَاهدِين فِي ” بُرقة” عَصب الوحدةِ الليبيةِ .
بَعدَ تمزيقِ الكيان السُوري دُويلات مُتَفرقة و حُدوثِ الإضطرابات فِي سُوريا ( الثورة السورية الكبرىٰ 1925- سُلطان بَاشا الأطرش) ضدّ الإستعمارِ الفِرنسيِّ ارتَحِلَ إلیٰ تُركية و اِستقرَّ بهِ الحَال في” مرسين ” التركية، حتیٰ اِنتُخبَ لرئاسةِ مُؤتمر الخِلافةِ (1926)ونالَ بَعدها الجِنسيةَ الحِجَازيةِ ، وفي عَام (1927 ) وجّهَ عَربُ المهجرِ دَعْوة للسفر الى أميركة ، فنُشِرَ مَقَالاَتِهِ فِي مجلة ” مرآة الغرب ” أتبعها بِجَولاتِ أُوُروبية تَضمتْ” رُوسيَا واِلمَانيا وفرنسا واِيطاليا و اِسبانيا” الذي كَتبَ عَنها فِي كِتَابِهِ “الحُلل السُّندسية ” وأَصَدرَ مِجلة “الْأُمَّةُ العَربيّةُ” فِي فرنسا لتَكُونَ نَافذةً اِخباريةً للعَربِ وكُتَابِها. اِخْتِير فِي الوفدِ الذي شَكلهُ المؤتَمر الإسلاميّ لحلِّ النِّزاعِ بينَ الملك عبد العزيز والإمام يحيىٰ علیٰ” الإمارة الإدريسية ” 1934.
ويتبع …….